ولعلهم كانوا يتفاهمون معهم بالإشارة ليعلموا ما يراد منهم أَو ما يجابون به على أَسئلتهم وسنتحدث عن مكان السدَّين وعن يأجوج ومأجوج حديثا مستفيضا بعد الفراغ من شرح الآيات الكريمة التي أجملت الحديث عنهما.
أي قال القوم الذين هم دون السّدين، يشكون حالهم لذى القرنين، لما عَلموه من قوة سلطانه وعظيم همته، بما سمعوه من أخبار رحلته - قالوا لذى القرنين - يا صاحب القرنين الذي دان له المشرق والمغرب، إن قبيلتى يأجوج ومأجوج المقيمتين خلف السّدين، مفسدون في الأرض التي نحن فيها، كما أنهم مفسدون في غيرها، ونحن لا نقدر على دفعهم عن بلادنا، فهل نجعل لك عطاءً ومالا على أن تجعل بيننا وبين هولاء المفسدين حاجزا بين هذين الجبلين يمنعهم من العودة إلى أَرضنا والعَيْثِ فيها فسادًا، وقرأ حمزة والكسائى وغيرهما "فَهَلْ نجْعَلُ لَكَ خَرَاجًا". بألف بعد الراء وكلاهما بمعنى واحد كالنول والنوال، وقال ابن الأعرابى: الخرج على الرؤوس والخراج على الأرض، ولهذا يقال: أدِّ خَرْجَ رَأسِكَ وَأدِّ خَرَاجَ أرضِكَ، وقيل: الْخَرْجُ ما تبرعت به والخراج ما لزمك.
قال ذو القرنين ردا على ما عرضوه من العطاء في مقابل إقامته السد بينهم وبين يأجوج - قال لهم - ما مكننى فيه ربي وجعلنى فيه مكينا من الملك والمال والعلم وسائر الأسباب خير مِمَّا تريدون بذله لى، فلا حاجة بي إِلى أموالكم، فأعينونى على بناء السد الذي تريدونه بما أَقوى به على تحقيقه. من العمال وآلات البناء والوقود وقطع الحديد والنحاس، وغير ذلك مما يحتاج إليه في إِقامته حتى يساوى الجبلين، ويكون شديد القوة بحيث لا يقدرون على صعوده ولا على اختراقه، فإن فعلتم أجعل بينكم وبينهم ردمًا أي حاجزا حصينا وحجابا متينا.