ثم ذكر تعالى قصة إِبراهيم ﵇ وهو يدعو أباه إِلى الصراط السوىّ، بأرق ما تكون الدعوة من الرفق والحنان، فيقول: ﴿يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (٤٣) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا﴾. فيقابل أبوه هذا الرفق والحنان، بأَشق ما يكون من العنف والقسوة والجحود والعصيان، فيقول: ﴿قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا﴾. وهنالك لم يجد إبراهيم ﵇ بُدًّا من أن يعتزل أَباه وقومه وما يعبدون من دون الله. قال تعالى: ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا﴾.
ثم ذكر تعالى كليمه موسى ﵇ ومناجاته إياه في الطورِ، وهبة الله له أَخاه هارُونَ نبيًّا. ثم أثنى سبحانه على إسماعيل ﵇ بصدق الوعد، وَأَمْرِهِ أَهْلَهُ بالصلاة والزكاة ﴿وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾. وعلى إدريس ﵇ بأنه:"رَفَعْهُ مَكَانًا عَلِيًّا". ثم أثنى ﵎ على المصطفَيْن الأخيار من عباده فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا﴾.
وذم الذين خَلَفُوهم مِنْ بعدهم، فلم يهتدوا بهديهم، بل أَضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوفَ يَلْقَوْنَ جزاءهم ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾. ومما ذكره الله تعالى في هذه السورة الكريمة، أَنه يحشر الكافرين يوم القيامة مع قرنائهم من الشياطيين .. وأَن جميع الخلق يَرِدُون جهنم: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ وبعد ذلك يستنكر سبحانه أَشد الاستنكار، ما زعمه الزاعمون من اتخاذه ولدًا، إذ يقول: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ ثم يَعِد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأَنه سيجعل بينهم محبة وَوُدًّا ثم يختم سبحانه السورة الكريمة ببيان