أي هذا الذي نقصه عليك - أَيها الرسول - هو ذكر رحمة ربك لعبده ورسوله زكريا، وهذا إجمال يأتي تفصيله قريبًا. وزكريا ﵇ نبى ورسول من أنبياء بني إِسرائيل، من ولد سليمان بن داود ﵉. روى الحافظ ابن كثير وغيره أنه كان نجارًا يأكل من عمل يده في النجارة، وهكذا كان الأنبياءُ يأكلون من عملهم. وقوله تعالى:
أَي أَن رحمة ربك أحاطت بعبده زكريا، حين دعا ربه دعاءً مستورًا عن الناس، ولم يسمعه أَحد منهم وإنما أَخفى دعاءه عليه الله السلام، وأَسر به وهو يتضرع إلى ربه؛ لأن الإِسرار بالدعاء أدل على الإِخلاص، وأَبعد عن الرياء، وأَقرب إِلى الخلاص من لائِمةِ الناس على طلب الولد وقت الكبر والشيخوخة.
قال ابن كثير عن بعض السلف: قام من الليل ﵇ وَقد نام أَصحابه، فجعل يهتف بربه، يقول خفية: يا رب، يا رب، يا رب، فقال الله له: لبيك لبيك.
أي: إني ضعف عظمى ورق لكبر سنى. والمراد: ضعُفتُ وخارت قواى. وإِنما أُسند الضعف إلى العظم؛ لأن العظام عماد البدن ودِعَامُ الجسد، فإِذا أَصابها الضعف والرخاوة تداعى ما وراءها وتساقطت قوته!
﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾: أَي فشا الشيب وتغلغل في رأْسى، وسرى فيه كما تسرى النار في الحطب. ﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾: أي ولم أَكن بدعائِى إِياك خائبًا في
(١) راجع ما كتبناه عن هذه الفواتح: أول سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة يونس.