أي يكون وارثًا لِي في العلم والنبوة، ليسوس بني إسرائيل بمقتضى الشريعة والعدل، فقد تعدى حدود الله كثير منهم، وطغوا وبغوا وضلوا عن سواء السبيل، وقوله: ﴿وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ توكيد لهذا الميراث النبوى الذي طلبه لوليه، فإِن زكريا من ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم صلوات الله وسلامه، وكانت النبوة في بيت يعقوب وآله - وآل الرجل هم خاصته الذين يئول إليه أَمرهم للقرابة أَو الصحبة أَو الموافقة في الدين فمراد زكريا ﵇ بهذا التوكيد أَن يكون ابنه نبيًّا كما كانت آباؤه أنبياء، ولم يرد
﵇ وراثته في المال؛ لأن الأَنبياءَ لم يُوَرِّثُوا آلهم دينارًا ولا درهمًا، فقد كانوا أزهد الناس في الدنيا، وإنما وَرَّثُوا العلم والنبوة. على أن زكريا ﵇ كان نجارًا يأْكل من كسب يده - كما قدمنا عن الحافظ ابن كثير وغيره. قال الحافظ ابن كثير: وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ" وفي رواية عند الترمذي بإِسناد صحيح: "نَحْنُ مَعْشَرَ الأنْبِيَاءَ لَا نُورثُ"(١) وعلى هذا فتعين حمل قوله: ﴿يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾ على ميراث النبوة. انتهى ما قال الحافظ ابن كثير ملخصًا.
﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾:
أي واجعله يا رب مرضيًا عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
(١) في مشكاة المصابيح للتبريزى - في أحاديث هجرته ووفاته ﷺ: عن أبي بكر ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا نورث، ما تركناه صدقة" متفق عليه.