وخوفهم من ذلك وهم غارقون في غفلة عن سوء مصيرهم في هذا اليوم وحالهم أنهم لا يؤمنون. فلعلهم بهذا الإنذار يفيقون من غفلتهم، ويثوبون إِلى رشدهم، ويؤمنون بربهم وبمحمد نبيهم، فينجون من عذاب يوم الحسرة، إِن عذابه لأليم مقيم.
قال الإمام ابن كثير: قال الإمام أحمد حدثنا محمَّد بن عبيد، حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أَبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ: إذا دَخل أهلُ الجنة الجنة وأهلُ النارِ النار، يجاءُ بالموت كأنه كبش أَملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون ويقولون نعم. هذا الموت. قال: فيقال يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال فيشرئبون ويقولون نعم هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ويقال يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت. ثم قال رسول الله ﷺ: ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ وأَشار بيده، وقد أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الأعمش به، ولفظهما قريب من ذلك.
ومجئ الموت في هذه الصورة الحسية التي أبرزت فناءَه بعد أن كان يميت الناس، تبشير لأهل الجنة ببقائهم الدائم في نعيمهم، وتحزينٌ لأهل النار وتيئيسٌ لهم من مفارقة ما هم فيه من شقاء.
وقال أبو حيان: الضمير لجميع الناس - والمعنى: خوِّفهم قاطبة يوم يتحسرون، فالظالمون يتحسَّرون على ما فرطوا في جنب الله، والمحسنون يتحسَّرون على قلَّة إحسانهم وتوهم تقصيرهم في طاعتهم ..