ومن أَجلِّ نعم الله على عبده أَن يمنحه حبه وحب عباده في السماوات والأرض. روى الشيخان عن النبي ﷺ:"إذا أحبَّ الله عَبدًا نادَى جِبْرِيلَ إن الله يُحِب فُلَانًا فأحِبَّهُ فَيُحبُّه جِبْريل، فينادى جبريل في أهل السَّمَاءَ أنَّ اللهَ يحب فلانا فأحبوه فيحبه أَهل السماء ثم يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ في الأرض". ويجوز أن يكون المقصود من حب الله المؤمن الذي يعمل الصالحات أن يكافئه على هذا بما يستحقه من الثواب.
والمعنى: يا محمد إنا أنزلنا عليك كتابنا بلغتك العربية وجعلناه ميسَّرا للسامعين والقارئين لتبشر به المتقين بما ينالون من ثواب جزيل على إِيمانهم، ولتنذر به قوما يعادونك أَشد العداء، ويجادلونك بالباطل - لتنذرهم بعقاب أَليم على هذه الخصومة والمجادلة في الحق بالباطل. ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾.
٩٨ - ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ﴾:
أي وأَهلكنا كثيرا من أهل القرون الماضية قبل أهل مكة، لما كذبوا رسلهم.
أي فهل تدرك بإحساسك منهم أَحدًا أَو تسمع لهم صوتا، فبعد أن كانت هذه الأُمم تملأُ الأرض، وتتعالى على أنبيائِهم وتعاديهم وتجادلهم بالباطل، أَصبحت قراهم خامدة خاوية على عروشها، بعد أن دمرها الله على أهلها، عقابا لهم على كفرهم ومخاصمتهم لأَنبيائهم، فليحذر أَهل مكة هذا المصير وليعتبروا به وصدق الله إِذ يقول: ﴿فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ (١).