والمعنى: فاذهب يا موسى أَنت وأخوك هارون إِلى فرعون، فقولا له: إِننا مرسلون من الخالق الذي أَنشأَك ورباك، فأَطلق سراح بنى إسرائيل من السجن ومن السُّخرة، ولا تعذبهم بأَى نوع من أنواع التعذيب الذي تمارسه أنت والقبط في إذلالهم.
أَي وقد جئناك بحجة من ربك، على أننا مرسلون من قبله، ولسنا مفترين على الله، بدعوى إِرساله إِيانا إليك، والسلامة من العذاب في الدارين لمن اتبع الهدى الذي أَرسلنا الله به، وليس السلام هنا بمعنى التحية، لأنه ليس في ابتداء كلامهم كما هي العادة في التحية، بل هو بمعنى الأمان لترغيبه في حسن العاقبة.
ولو جاءَ هذا السلام أول الكلام لتحيته منهما، لما كان مناسبًا لما أَوصاهما الله به، من أن يقولا له قولًا ليِّنًا لعله يتذكر أَو يخشى، فإِن مفاجأَته بأَنه لا تحية له، لأنها لأَهل الهدى وهو ليس منهم، تعتبر مفاجأَة خشنة منفِّرة يقولانها بين يديه غير عابثين بمنصبه في قومه، وَتَمْنَعُهُ من أن يتذكر أَو يخشى، وتخالف اللين المطلوب منهما في محادثته، ولأَنه يعتبرهما من رعيته، وقد نشآ في نعمته وتحت سلطانه، وقال أَبو حيان: الظاهر أَن قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى﴾ فصل للكلام، والسلام فيه بمعنى التحية، وجاءَ ذلك على ما هو العادة من التسليم عند الفراغ من القول، إِلَّا أَنهما ﵉ رغبا بذلك عن فرعون، وخصَّا به متبعى الهدى، ترغيبًا له بالانتظام في سلكهم: اهـ.
والصواب ما قلناه أَولًا، من أَن السلام هنا بمعنى الأَمان، وقد جاءَ في وسط كلامهما مع فرعون وليس في آخره، فقد قالا له عقب ذلك: ﴿إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ فكأنما قالا له: والأَمان على من اتبع الهدى الذي جئناك به، لأن العذاب على من كفر به وتولى عنه.
فإن قيل إِن النبي ﷺ بدأَ خطابه لعظيم الروم بتحيته على هذا النحو حيث قال له - كما جاءَ في الصحيحين:"من محمد رسوك الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام علي من اتبع الهدى" فلماذا لم يؤمر موسى وهارون بمثل ذلك؟ فالجواب: أَن النبي ﷺ