وقد جاءَت هذه الآية وما بعدها لبيان ما حدث من فرعون بعد لقائهما إياه وتبليغه ما أُمرا بتبليغه إليه. ولم تتحدث الآيات عن أَنهما توجها إليه وأَبلغاه، اكتفاءً ببيان موقفه من رسالتهما، فإِن ذلك يؤْذن بأَنهما توجها إليه وأَبلغاه فبدأ يناقشهما فيما جاءاه به.
وأَول ما بدأَ به مناقشته أَن قال:(فَمَن رَّبُّكَما يَامُوسى) فأضاف الربوبية إليهما ولم يضفها إلى نفسه مع أَنهما أَفهماه أنهما رسولان من ربه الذي هو ربُّهما، لأنه لا يريد الاعتراف بربوبية غيره، ولعل فرعون اختص موسى بهذا السؤَال مع أن هارون كان معه، لأن موسى هو الذي قام بتبليغه، وإِلى جانبه هارون يؤيده، ويحتمل أَن يكون للتعريض بأَنه ربه، كما قال:(أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا) فكأَنه يقول له: فمن ربكما يا مَنْ كنتُ لك مُربِّيا، وجئتَ تنزع الربوبية منى.
وعلى أَي حال فالمعنى إِذًا: إذا كنتما رسوليْ ربكما الذي أَرسلكما فأخبرانى من ربكما الذي تدعونى إلى الإِيمان به يا موسى.
أَي قال موسى جوابًا لفرعون: ربُّنا يعْرَفُ بصفاته، ولا يدرك بذاته، فهو الذي أَعطى كل شيءٍ ما خلقه عليه من المادة والصورة والوظيفة، وأعطاه ما يحقق به ما خلق له، وهداه إلى تحقيقه، فقد أَعطى العين الصورة التي تطابق الإِبصار، وأمدها بالقوة التي تبصر بها وأَعطى الأذن الشكل الذي يوافق الاستماع، وأَمدها بالقوة التي تستمع بها، وكذلك الأنف واليد والرجل وغيرها، أعطاها الله خلقها اللائق بها والمناسب لوظيفتها، وأمدها بالقوة التي تحقق ما خلقت لأَجله، وهداها لتحقيقها، ومثل ذلك يقال في الحيوان والنبات، بل وفي الجماد أَيضًا، فالعلم من آن لآخر يكشف لنا عن عجائب الكون وإِنك لترى في الذرَّة وتكوينها وخصائصها ما يحيِّر العقول، فكيف بغيرها من ملكوت الله.!!
٥١ - ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى﴾:
لما وضح الحق في جانب موسى، خاف فرعون أَن يتأثر الناس بما قاله موسى، فيكفوا عن القول بأُلوهيته، والاندماج في عبوديته، فلهذا وجه إِليه سؤالا يريد أن يحرجه به،