وجاءت هذه الآية، لتمثيل حالهم هذه - مع من يدعوهم إلى الحق، وهم لا يعقلون ما يُقال - بحال البهائم مع الراعي الذي يدعوها ويحذرها، وهي لا تعي منه إلا مجرد الصياح والصراخ.
وفي الكلام مضاف مقدر، إما في جانب المشبه، والتقدير: مثل داعي الذين كفروا إلى الإيمان، كمثل الذي ينعِق، أو في جانب المشبه به، والتقدير: ومثل الذين كفروا كمثلِ بهائم الذي ينعق. وسنأتي بالمعنى على الوجه الأول، ومنه يُفهم المعنى على الوجه الثاني.
المعنى: ومثل هادي الذين كفروا وداعيهم إلى الحق، وهم لا يعقلون، كمثل الراعي الذي ينعق بماشيته، ويصيح بها، ليكفها عن الرعي في مرعى وخيم يضرها. وكما أن البهائم لا تعي من الراعي إلا صوت الدعاء والنداء، دون أن تفهم غرضه وهو كفُّهم عن المرعى الوخيم العاقبة، فعدم تمييزها، فكذلك هؤلاء المقلدون، لم يدركوا من هاديهم وداعيهم إلى الحق ومحذرهم من الباطل سوى الدعاء والنداء، لانهماكهم في التقليد الذي أغلق عقولهم، فلم تدرك ما يقول، وكما أن البهائم وقعت في المرعى الوخيم العاقبة - بجهلها - فكذلك هؤلاء، وقعوا في مهاوي الردى، بإعراضهم عن الهدى.
ويجوز أن يكون المراد: تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم - جاهلين حقيقتها الأليمة - بالبهائم التي تسمع الصوت، ولا تفهم المراد منه.
ثم ذكرت الآية أنهم ﴿صُمُّ﴾: لا يسمعون الدعوة إلى الحق لانصرافهم عنه. ﴿بُكْمٌ﴾: لا يتكلمون بالحق لجهلهم إياه ﴿عُمْىٌ﴾ لا يُبصرون الحق لإغماضهم عيونهم عن أضوائه.
﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾: لا يدركون شيئًا لفقدان الحواس الثلاث التي هي أبواب العلم. وليس المراد نفي هذه الحواء والعقل حقيقة، بل المراد: أنها لا يُنتفع بها فكأنها مفقودة.