الكفر والعناد، ولكنه عكس الآية، وجعل أسباب الهدى والطاعة، دوافع إلى الزيغ والتمادى في الضلال وهذا ما يحكيه الله تعالى بقوله:(فَكَذَّبَ وَأبَى) أي فكذب بالآيات، أو كذب موسى ﵇ من غير تردد أو تأخر، وكره الإيمان وأعرض عنه جحودا واستكبارًا.
الآية بيان لكيفية تكذيب فرعون وإبائه، أَي قال: نحن ننكر عليك مجيئك إِلينا، لإِنجاء بنى إسرائيل من بيننا، بل لإخراجنا من أَرض مصر بما أَظهرته من السحر، حتى تكون خالصة لك ولقَومك، فكيف تخرجنا منها بسحرك! وهى أَرضنا وأرض أَجدادنا، وإِنما قال ذلك، لحمل قومه على بغضه ومقته، وإثارتهم للانتقام منه، حيث أَوضح لهم أَن مراده ليس إِنجاءَ بنى اسرائيل وتخليصهم، بل إِخراج المصريين من أَرضهم، والاستيلاءَ على أَموالهم، واسترقاق ذراريهم، حتى يبتعدوا عنه، ويبالغوا في عداوته ومدافعته.
وتسمية المعجزة سحرًا، لأَنه لم يدرك حقيقتها بعد، ولهذا توعد موسى بأَنه سيأتيه بسحر مثلها على أَيدى سحرته فقال:
أَي ما دام الذي جئت به سحرًا فلنعارضك بسحر مثل الذي أَتيتنا به، ليتبين للناس أَنه من صنعك، وليس هو من عند ربك، ثم قال لموسى ﵇:
﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ﴾: أَي فاجعل لاجتماعنا بك وعدًا أَو زمانًا موعودًا، لا يقع إخلافه منا ولا منك، وإِنما نلتزم جميعًا الوفاءَ به، واجعل موعدنا معك ﴿مَكَانًا سُوًى﴾: أَي اجعله في مكان نَصَفٍ وعَدلٍ، تستوى مسافته بيننا وبينك، وبهذا قال كثير من أَهل التفسير. وأخرج ابن أبي حاتم عن أَبي زيد أَنه قال: ﴿مَكَانًا سُوًى﴾ أَي مكانًا مستويًا من الأرض، بحيث يرى فيه بعضنا بعضًا، ويرى كل المشاهدين ما يصدر منك ومن السحرة، وفيه إِظهار الجلادة وقوة الوثوق بالغلبة ما فيه.