للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ظلم فرعون وطغيانه، وأَن يكون رحيله عنها ليلا حيث يقول سبحانه: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي﴾ وقد أتت الجملة مصدرة بالقسم إبرازًا لكمال العناية بمضمونها.

والمعنى: والله لقد أَوحينا إِليه آمرين إِياه أَن يسير ببنى إِسرائيل في الليل حفاظًا عليهم حتى لا يتعرضوا لمنع فرعون. ويقعوا في قبضته. فيذيقهم أَشد العذاب، ولما خرج بنو إِسرائيل بصحبة موسى وتم لهم ذلك أَصبحوا وليس لهم بمصر داع ولا مجيب، فغضب فرعون أَشد الغضب ودفعته شهوة الانتقام إِلى الإِسراع في جمع جنده وقواده قائلا لهم:

﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ﴾ (١) ولما أَعد للأَمر عدته، سار بمن معه يتبع موسى وقومه، وقد بكروا ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ﴾: أَي عند مطلع الشمس، ولما تراءَى الجمعان نظر بعضهم إلى بعض، فقال أَصحاب موسى ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ (٢). تثبيتًا للأَقدام، وتطمينًا للقلوب، وكان البحر أَمامهم والعدو خلفهم. عند ذلك أُمِر موسى أَن يفعل ما أَشار إِليه قوله تعالى: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ (٣): أَي فَاضرب لهم البحر بعصاك لتتخذ لهم من المكان الذي ضربته فيه طريقا يبسًا لا ماءَ فيه ولا طين. فهو مصدر وصف به مبالغة: بمعنى أَنه يابس جاف يتسنى السير فيه بيسر وسهولة. ﴿لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾: أَي تفعل هذا وأَنت في حال لا تخاف أَن يلحقكم فرعون وقومه من ورائكم، لأَنك ومن معك في رعايتى ولا تخشى أَن يغرقكم البحر من حولكم، إِذ لا يحدث شئٌ في الكون إلا بإِرادتى.

٧٨ - ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ .... ﴾ الآية.

الفاءُ في قوله ﴿فَأَتْبَعَهُمْ﴾ تشير إِلى مضمر طوى ذكره، ثقة بغاية ظهوره. وتنويهًا بكمال مسارعة موسى إِلى الامتثال.

والمعنى: ففعل موسى ما أَمرناه به في السير ليلا. فضرب لهم طريقا في البحر بعصاه، وسلكه بمن معه، فأَتبعهم فرعون بجنوده بحرًا كما أَتبعهم بهم برًا، أَي


(ا) سورة الشعراء، الآيتان: ٥٤، ٥٥
(٢) سورة الشعراء، من الآيتين: ٦١، ٦٢
(٣) وقرئ يبْسا بإسكان الباء، وهو إما مخفف من المحرك أو صفة مشبهة كصعب أو جمع يابس كصحب جمع صاحب، ووصف به الطريق الواحد للمبالغة بجعل الطريق لفرط يبسه كأشياء يابسة أو يراد به الجنس، وكان متعددًا لتعدد الأسباط.