ألم يعدكم ربكم وعدًا حسنًا بأن يعطيكم التوراة فيها هدى ونور، فكيف تعودون إلى الشرك بعد أن أَنقذكم الله منه؟ ﴿أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ﴾: أي أَفطال عليكم زمان مفارقة موسى لكم؟ أَو عهد إِنجائكم من فرعون مصر وإغراقه لمن ظلمكم ﴿أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي﴾: أَي أَنكم بفعلكم هذا كأنكم أردتم أن يحل عليكم غضب ربكم، حيث أَخلفتم وعدكم إِياى بالثبات على الإِيمان بالله وتنفيذ ما أُمرتم به.
قالوا: ما فعلنا ذلك باختيارنا ﴿وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ﴾: ولكنا كنا نحمل أَعباءً وأحمالًا من ذهب المصريين فظنناها موضعًا للمؤاخذة لأنها ليست ملكًا لنا وإِنما استعرناها من المصريين في عيدنا لنردها إِليهم بعد حين: ﴿فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ﴾: فأَلقينا بها في النار تخلصًا منها كما فعل السامرى وكما أَمرنا.
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ﴾: وكان السامرى ماهرًا في الصياغة فصنع تمثالًا ذهبيًّا للعجل أَبيس معبود المصريين قبل هجرة بنى إسرائيل من مصر، وجعله بحيث إِذا حُرِّكَ صدر منه صوت كخوار الثيران أَو جعل فيه ثقوبًا إِذا هبت فيها الريح أَصدر هذه الأَصوات، والماهرون في صناعة الدمى الآن يجعلونها تصدر بعض الأَصوات أو تحرك بعض الأَعضاء.
وأَجاز بعضهم أَن يكون السامرى قذف الحلى في النار بدعوى أَنها محرمة عليهم لسرقتهم إِياها من المصريين، واشترى لهم عجلا جسدا حيا، وسرق الذهب لنفسه.
﴿فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى﴾: أَي قال السامرى ومن افتتن به وتابعه: يا قوم ها هو ذا إِلهكم وإِله موسى قد نسيه هنا وذهب يطلبه في الطور ويناجيه هناك، أو نسى موسى أُلوهيته. وضل الطريق إِلى ربه فخرج يبحث عنه، في حين أن هذا العجل هو ربه، وهكذا أَضلهم السامرى وفتنهم حتى عبدوا العجل.
الاستفهام هتا للتوبيخ، أَي أعمُوا فلم يروا أَن هذا العجل لا يتحدث إليهم ولا يرد على أَسئلتهم وأنه لا يملك أن يضرهم أَو ينفعهم، فكيف يكون إِلهًا مستحقًا للعبادة والتقد