للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولم ترقب قولى في المحافظة على وحدتهم، والحكمة في التصرف معهم، وكان للسامرى نفوذ في بنى إِسرائيل، وكان قوى التأْثير عليهم. قال قتادة: كان السامرى عظيمًا في بنى اسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة، ولكن عدو الله نافق بعد ما قطع البحر مع موسى، فلما مرت بنو إِسرائيل بالعمالقة وهم يعكفون على أَصنام لهم، ﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ (١). فاغتنمها السامري وعلم أَنهم يميلون إِلى عبادة العجل فاتخذ العجل (٢).

٩٦ - ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي﴾:

قال الفخر الرازى: عامة المفسرين على أَن المراد بالرسول: جبريل، والمراد بأَثره: التراب الذي أَخذه من موضع حافر دابته، والأَكثرون منهم على أنه رآه يوم فلق البحر، وعن على أَن ذلك كان حين نزل ليذهب بموسى إِلى الطور، ثم اختلفوا في كيفية رؤيته جبريل دون سائر الناس، وحكى الرازى عن هؤُلاءِ المختلفين حكايات لا أصل لها، وذكر القرطبى وغيره: أَن السامرى لما زينت له نفسه أَن يأْخذ قبضة من التراب الذي تحت حافر فرس جبريل، جعل يلقى منه على الجماد، فيتحول إلى حيوان له روح ولحم ودم، فلما سأَلوا موسى أَن يعيدهم إِلى عبادة العجل زجرهم، فصنع لهم السامرى في غيبته عجلا من الحلى، وأَلقى من هذا التراب عليه، فتحول إِلى جسد من لحم ودم له خوار كسائر العجول، ويقول القرطبي في موضع آخر نقلا عن مجاهد: خواره وصوته كان بالريح لأَنه أَحدث فيه خروقًا، فإِذا دخلت الريح في جوفه خار ولم تكن فيه حياة.

وبهذا نقول فإِن تحويل الجماد إلى حيوان حقيقى لا يكون معجزة إلا لنبى، كما حدث لموسى، حين حول الله عصاه الخشبية إلى حية تسعى، ولا يصح أَن يجرى الله مثل ذلك على يد من يعارض النبوة ويثير الشبه حولها، ولو أنهم قالوا إنه كان ساحرًا وإنه خيل لهم بسحره أَنه عجل حقيقى لكان ذلك خيرًا مما قالوه، وقد أَحسن الإِمام الرازى فيما نقله عن أَبي مسلم الأصفهاني، إذ قال نقلا عنه ما خلاصته: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي


(١) من الآية ١٣٨ من سورة الأعراف، وقد رد عليهم موسى قائلا: ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ الآيات من سورة الأعراف.
(٢) القرطبي ج ١١ ص