قد عرفت مما تقدم أَن العجل الذي صنعه السامرى من حيلهم فيه ثلاثة آراء (أَحدها): أنه عجل تحول من حلي إِلى حيوان، حينما وضع عليه السامرى ترابا من تحت حافر الفرس التي كان يركبها جبريل - كما قيل - (وثانيها): أنه عجل من ذهب لم تحل فيه الحياة، وأن خواره صناعى أو بسبب السحر، فعلى أَنه عجل حيوانى، يكون حرقه بعد ذبحه، حتى إِذا صار رمادا نسفه في اليم، أي ذراه في الهواء في اتجاه البحر، أَما على أنه عجل صناعى لم تحل به الحياة، وأَن خواره صناعى أو بطريق السحر، فيكون حرقه وتصييره رمادا من آيات موسى ﵇، لأَن الذهب إِذا صهر بالنار يصبح سائلا ولا يمكن نسفه، (وثالثها) أَنه عجل حيواني اشتراه موسى السامرى بعد أَن صهر الذهب وسرقه، وأمر حرقه بعد ذبحه واضحٌ، وأَن كنا نستبعد أن يحرقه موسى وهو لحم حيوان أحل الله أكله، وكان يكفى - لو صح أَنه حيوان حقيقى - أن يذبحه ليظهر بذبحه عدم صلاحيته للألوهية، ثم يبيح لهم أكله.
والذي لم يظهر لنا والله أَعلم أَنه عجل صناعى (١) وأَن خواره صناعى أو عن طريق السحر، وأن الحياة لم تحل فيه، فإن ذلك معجزة فلا يجريها الله على يد منافق لا يعترف بوحدانيته تعالى، بل هي من آيات الرسل كما حدث لعصا موسى ﵇، وأَن إِحراق موسى له يعتبر آية ومعجزة من معجزاته ﵇.
والمعنى: وانظر يا سامري إِلى العجل الذي صنعَته وجَعلْتَه لك إلها، وأقمت على عبادته ملازما أنت ومن استجاب لك من قومك، والله لنحرقنه حتى يصير رمادا، ثم لننسفنه ونذرينه ليلقيه الريح في البحر حتى تعلم أَنت ومن تبعك عجزه عن حماية نفسه من النار، وفساد رأْيكم في عبادته.
هذه الآية جاءت لإحقاق الحق بعد إِبطال الباطل، والخطاب فيها لعموم بنى إسرائيل.
(١) والآية شبه صريحة في ذلك، إذ يقول الله في الآية (٧٧) حكاية عمن عبدوه ﴿قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا .... ﴾ ال