أي وخفتت أَصوات الخلائق هيبة للرحمن، ورهبة من الموقف الرهيب، فلا تسمع من أحد من أهل الموقف إِلا صوتًا خفيفا خافتا يصدر من فمه.
وفي إحدى الروايات عن ابن عباس أن المراد من الهمس هنا خفق الأقدام، وبمثله قال عكرمة وابن جبير والحسن، واختاره الزجاج والفراءُ، ومنه قول الشاعر: وهنّ يمشين بنا همسا.
والمعنى على هذا: سكتت أصواتهم وانقطعت كلماتهم، فلا نسمع منهم إلا خفق أقدامهم وهم يمشون إلى المحشر، والخطاب في قوله ﴿فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا﴾ لكل من له سمع يستمع به.
أَي يومئذ يدعوهم داعى الرحمن إِلى المحشر للحساب، فيستجيبون له خاشعين، لا تنفع الشفاعة أحدا من أفراد الأُمم، إلا من أذن الرحمن بالشفاعة لأجله من بينهم، ورضى له قول الشافع وأَذن له به.
ويصح أن يكون المعنى: ورضى للمشفوع له ما كان يقوله، والمراد منه كما قاله ابن عباس: قوله (لا إله إِلا الله) وخلاصة المعنى على هذا: لا تنفع الشفاعة أَحدا، إلا من أَذن الرحمن في أَن يُشفع له وكان مؤْمنا. والمراد على كل تقدير: أنه لا تنفع الشفاعة أحدا إِلا من ذكر، وأَما من عداه فلا تنفعه وإن فرض صدورها عن الشفعاء المتصدِّين للشفاعة عن الناس، كما قال تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾.
أي يعلم الرحمن ما يستقبله المحشورون من المقادير التي كتبها لهم أو عليهم وما تركوه خلفهم من أعمالهم وأَحوالهم الدنيوية، ولا يحيطون علما بالمذكور من مجموع الأمرين، فإنهم كما قال الجبائى: لا يعلمون جميع ما ذكر، ولا تفصيل ما علموه منه.
ويجوز أن يكون المعنى ولا يحيطون به تعالى علما، من حيث صفاته وكمالاته التي لا تتناهى ولا يعرف أحد كنهها ومداها، فنحن لا نعلم من أَمره سبحانه إِلا ما جاءت به الرسل وما تتسع له عقولنا.