والمعنى: ومن انصرف عن الهدى الذي يذكره بعبادتى فإن له معيشة ضيقة في حياته مهما كان في سعة من العيش، فإِنه يكون شديد الحرص على الدنيا متهالكا على الازدياد منها، خائفا من انتقاصها، وقيل الضنك مجاز عما لا خير فيه، ووصف معيشة الكافر بذلك لأنها وبال عليه، وزيادة في عذابه يوم القيامة، كما دلت عليه الآيات، وبهذا المعنى فسره ابن عباس، فقد أخرج ابن أَبي حاتم بسنده عنه أنه قال في الآية: كل ما أَعطيته عبدا من عبادى قلَّ أَو كثر لا يتقيني فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة: اهـ. وفسره عكرمة بالكسب الحرام.
﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾: أَي ونسوقه يوم القيامة فاقدا البصر على الحقيقة، حتى يقول: ﴿رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا﴾ وكان كذلك لأنه لم ينتفع بما أَعطاه الله من بصر ينظر به في آيات الله. وقيل: عَمَاهُ كناية عن عدم اهتدائه إِلى حجة تنفعه، أَو إِلى حيلة يدفع بها العذاب عن نفسه.
أي قال هذا الذي حشره الله أعمى يوم القيامة - قال - في حيرة وحسرة: يا رب لأَي سبب حشرتنى أعمى وقد كنت في الدنيا بصيرًا أَرى كل شيءٍ، فيأْتيه الجواب حينئذ من قبل الله فيما يحكيه بقوله:
أَي مثل ذلك العمى الذي جئتَ به في الآخرة كنت أَعمى في الدنيا، فقد جاءَتك آياتنا فعَمِيتَ عنها، وتركتها كالشيءِ المنسى الذي لا يخطر بالبال، فاليوم نجازيك مثل عملك، فنجعلك أَعمى عن الاهتداءِ إِلى حجة تنفعك، ونتركك في حيرتك وعماك ترك المنسى، وندفع بك إِلى النار لتَصْلى عذابها وتتلظى بنارها، ولهذا قال سبحانه عقب هذه الآية:
أَي وبمثل ذلك الجزاءِ العادل نجازى كل من أَسرف على نفسه في ارتكاب المعاصي وترك الإيمان بربه، ولم ينظر في الآيات التي نصبها في الأنفس والآفاق، ولم يعمل بشرعه