﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى﴾. أَي أَقالُوا ذلك ولم تأْتهم بينة ما في الكتب السماوية الأُولى، ممثلة في القرآن الكريم، فإن اشتماله على ما جاءَ فيها من قصص وعبر وعقائد وأَحكام يعتبر آية بينة على أَنه رسول من عند الله، فإِنه أُمى لا يقرأُ ولا يكتب، ولا صلة له بأَهل الكتاب، فضلا عما اشتمل عليه من أَعلى درجات الفصاحة التي لا يستطيع البشر أَن يأْتوا بمثلها، وقد تحداهم أَن يأْتوا بسورة منه فعجزوا، أَولم يقنعهم ذلك في كونه معجزة حتى يطلبوا معجزة أُخرى سواه وقد فات أَوان المعجزات المادية، وجاءَ أَوان المعجزة العلمية الباقية بقاءَ الزمان ولهذا قال ﷺ:
"مَا مِنَ الأَنبياءَ نبيٌّ إِلا أُعطى من الآيات ما مثُله آمن عليه البشر، وإِنما كان الذي أَوتيتُه وحيًا أَوحاه الله إِلىَّ فأَرجو أَن أَكونَ أَكثرَهم تابعًا يوم القيامة"(١) وقد كانت للنبي معجزات غير القرآن كانشقاق القمر وغيره، ولكن التحدى لم يقع إِلا به، ولهذا تكفل الله بحفظه ليبقى آية للرسالة المحمدية الباقية إلى يوم القيامة، أَما المعجزات المادية فلا بقاءَ لها.
أَي: إِنا بعثنا محمدًا إليهم، وأَيدناه ببينة ما في الصحف الأُولى وهو القرآن، ولو أَنا أَهلكناهم بشركهم ومنكراتهم من قبل محمد أَو من قبل إِتيان البينة، لقالوا محتجين: ربنا هلَّا أَرسلت إلينا رسولا يدعونا إِلى الهدى والرشاد فنتبعه من قبل أَن نذل في الدنيا بالهوان والإِهلاك، ونفتضح بظهور جرائمنا في الآخرة على رءُوس الأَشهاد في المحشر، وبالعذاب المهين في نار جهنم.
قل أَيها الرسول لهؤلاءِ المشركين المتمردين على الحق - قل لهم -: كل منا ومنكم منتظر ما يؤول إليه أَمره في الآخرة، فانتظروا فستعلمون عن قريب من هم أَصحاب الطريق السوى الذي لا عوج فيه، ومن اهتدى من الضلالة، هل هم المؤمنون بالقرآن العاملون بآياته، أَم هم الذين كفروا به وصدوا عن سبيله، وسيتبين لكم ذلك قريبًا بنصر من اهتدى إِلى طريق رحمة ربه، على من ضلَّ عنه إِلى طريق عذابه، أَو يتبين لكم ذلك عند الموت أو يوم القيامة وكل آت قريب - والله أَعلم.