ثم زادت قريش في غلوها، فزعمت أَن القرآن سحر، وأن محمدًا يسحر به عقول الناس فقالوا منكرين على المؤمنين اتباعه:
﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾: والاستفهام في الآية لاستنكار مجئِ الناس لسماعه، وتسْفيه المؤمنين وتوبيخهم على إيمانهم به.
والمعنى: ما لكم تتوجهون إلى السحر وتطيعون صاحبه؟ وأنتم ترون بأعينكم أَنه بشر وتدركون بعقولكم ما يوثِّر بسحره على الضعفاءِ من قريش، فيفرق به بين الوالد وولده، وبين الرجل وأَهله، وغاب عنهم أن الحق أَقوى من السحر، وأَنه هو الذي فرق بين أَهل الهدى وأهل الضلال خوفًا من عدْواهم أو من ظلمهم وعدوانهم، وما محمد بساحر ولا عرف السحر، وما القرآن إلَّا رحمة للعالمين.
قرئ ﴿قَالَ﴾ بصيغة الماضى و (قُلْ) بصيغة الأمر، وقد أفاد مجموع القراءَتين، أَنَّ النبي ﷺ أَمره ربه أن يقول هذا القول ردا على مزاعمهم في نجواهم، وأَنه امتثل فقاله لهم.
والمعنى: قال محمد لمن تناجوا واستَخْفَوْا بأحاديثهم طعنًا في رسالة النبي ﷺ، قال محمد لهم: ربي يعلم قول كل قائل في السماوات والأرض، وهو عظيم السمع محيط العلم، فكيف لا يعلم سركم ونجواكم؟ ويعاقبكم على صدكم عن سبيله، وكفركم بكتابه ورسوله، وما أنتم في ملكه وملكوته وفي دائرة علمه وانتقامه إِلَّا شئٌ قليل.
ولم يكتف هؤلاء الظالمون بما زعموه في حق القرآن من كونه سحرًا، بل تخبطوا في وصفه ووصف رسوله، كما حكاه الله بقوله سبحانه:
الأضغاث في الأَصل: الحشائش والأعشاب اختلط يابسها برطبها، أَي: أن رسالة محمد في نظرهم أَحلام مختلطة رآها في نومه، حملته على أَن يتوهم ما توهم، ويقول ما قال ولا حقيقة في الواقع لما ادعاه، ولا تأْويل له كما لا تُؤَوَّل الأَحلام المختلطة، ومن كان كذلك فلا ينبغي أن يصدق أَو يتبع، ثم أضْربُوا عن هذه الفرية، حين رأَوها هـ