حال الرسل السابقين؟ فالمراد بأَهل الذكر: أَهل الكتاب، فإِنهم مع عداوتهم للرسول لا يستطيعون إنكار بشرية الرسل، فإِن موسى صاحب التوراة من البشر، وهذا شئٌ لا يستطيع اليهود المجاورون للمشركين إِنكاره، وقيل: أَهل الذكر: هم أَهل القرآن، ورد ابن عطية هذا الرأْى بأنهم كانوا خصومهم فكيف يسألونهم.
بعد أن بيَّنَ القرآن أَن سنة الله في الرسل أن يكونوا بشرًا، بيَّن ما فيهم من بقية صفات البشر فقال: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾: أي وما جعلنا الرسل الذين أَرسلناهم إِلى الأُمم الماضية جسدًا لا يأْكلون الطعام كما هو شأْن الملائكة الذين تريدون رسولكم منهم، ولكن جعلناهم بشرًا مثله، يأكلون الطعام كما يأكل، وما كانوا باقين أَبدًا في الحياة الدنيا، بل هم إلينا راجعون كسائر البشر.
ومع كون الآية مقررة لما قبلها فهى رد على قولهم: ﴿مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ ويقول الآلوسى في تفسيرها: (والظاهر أَنهم يعتقدون في الملائكة الحياة الأبدية كاعتقاد الفلاسفة فيهم، وحاصل المعنى على هذا جعلناهم أجسادًا متغذية صائرة إلى الموت حسب آجالهم، ولم نجعلهم ملائكة لا يتغذون ولا يموتون حسبما تزعمون) انتهى بتصرف يسير.
ثم وفينا بوعدنا لرسلنا السابقين بالنصر على عدوهم، وحقت كلمتنا لهم، فأخذنا الأُمم الذين عصوهم وعتوا عن أَمر ربهم بالعذاب بعد أَن أجبناهم إلى الآيات التي طلبوها فكفروا بها، فأَنجينا رسلنا ومن أَردنا نجاته من المؤمنين - أَنجيناهم مما أخذنا به أممهم الكافرة، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (١). وأَهلكنا الذين أَسرفوا على أنفسهم بالكفر والتمادى في الضلال، هذه أنباءُ من قبلكم وتلك عاقبتهم فما لكم تعرِّضون أنفسكم لمثل ما نزل بهم بانتهاجكم نهجهم، وسيركم في طريقهم.