للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

١٢ - ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾:

وهذا بيان لحالهم حين حلول العذاب بهم. أي: فلما أدركوا عذابنا الشديد وشعروا بوقوعه بهم، وأحسوه بحواسهم ﴿إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾: وأصل الركض؛ ضرب الراكب دابته برجله لتسرع، أَي: أَنهم ركبوا دوابهم وركضوها - ظنا منهم أنها تنجيهم من أخذ الله وعذابه (١)، أَو هو على تشبيههم في فرارهم بالراكض يسرع طلبًا للنجاة، فجعلوا كأَنهم يستنهضون أَنفسهم حثّا لها على السرعة والتماسًا للنجاة من عذاب لا مفر منه أبدًا" (٢).

١٣ - ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾:

أَي: قيل لهم هذا، والقائل إما من الملائكة، وإما من المؤمنين، أَو أَن من يراهم يقول بلسان الحال هذا المقال: لا تسرعوا في عَدْوِكم، وعودوا إِلى مقر نعمتكم ومواطن ترفكم الذي أَبطركم حتى جحدتم وكفرتم، وأَقيموا في مساكنكم ووطئوا مجالسكم، كما اعتدتم، لعل أتباعكم يَمثُلُون بين أَيديكم، ويسألونكم عما تأمرونهم به لينفذوه، أَو لعلكم تُسْألون عن باعث هذا العذاب عليكم، وسبب نزوله بكم، أو لعلكم تسأَلون أَن تؤمنوا كما كنتم تسألون قبل نزول البأْس بكم، فتسارعون إلى الإيمان طلبًا للنجاة، وكل ذلك على سبيل التهكم والسخرية بهم، وفي الآية آراءٌ أخرى، وحسب القارئ ما تقدم.

وهذا الفرار منهم أبْلَغ في الجهل وأَبعد عن السداد، إِذ أنهم يقيسون أخذ الله القادر القاهر بأَخذ الناس للناس فظنوا الهرب منجيًا، فهربوا فلاحقهم عذاب الله.

١٤ - ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾:

أي أن أهل هذه القرى الظالمة لما أَحسوا بأْسنا وعذابنا، ركضوا وأسرعوا طلبًا للنجاة وقالوا - نادمين - يندبون نهايتهم: يا هلاكنا إنا كنا ظالمين لرسلنا ولآيات ربنا ولأنفسنا، فحق علينا قول ربنا، وهكذا يندم الظالمون بعد فوات الأوان، ويتحسرون ويعترفون بخطاياهم حين وقوع العقاب، وسوف ينتهون بعده إلى عذاب دائم: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار﴾ (٣).


(١) وهو على هذا فعل متعد لمفعول.
(٢) وهو على هذا استعارة مكنية، وقال أبو زيد: ركض تستعمل لازمة بمعنى جرى وعلى هذا لا يكون في الكلام تجوز.
(٣) سورة غافر، آية