وكان نزولها تسلية للنبي ﷺ، وبيان أن ما تمنوه له لَاحِق بهم.
والمعنى: وما كان من سنتنا أن يخلد أَخد من قبلك، لا من الأنبياء ولا من المرسلين، ولا من سائر البشر، لكون ذلك مخالفا للحكمة التكوينية التي قدر الله فيها أن يكون لكل حَيٍّ أَجل ينتهى عنده، ثم يبعث الله الموتى ليحاسبهم على ما كانوا يعملون، فلا شماتة في الموت فهو ضريبة القهار على جميع عباده، ولهذا قال سبحانه:
﴿أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾: أَي أفإن مت بمقتضى حكمتنا فَهُمُ الخالدون حتى يشمتوا بعدك في موتك، كلا، فليسوا بمنجاة من الموت، فإن الموت واقع بهم لا محالة.
وفي معنى ذلك قال الإِمام الشافعى ﵀:
تمنَّى رجال أن أَموت وإن أَمُتْ … فتلك سبيل لست فيها بأَوحدِ
فَقُلْ للذى يبغى خلاف الذي مضى … تزود لأُخرى مِثْلِهَا فكأن قد
هذه الآية تؤكد المقصود من الآية السابقة ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾.
والمعنى: كل نفس يحدث لها الموت، وتذوق مرارة مفارقة الروح للجسد، وهى تختلف شدة وضعْفًا حسب تفاوت الناس إِيمانا وجحودًا، ولعل في التعبير بالذوق إِشارة إلى ذلك.
﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾: أَي نعاملكم معاملة المختبر لإظهار ما في نفوسكم من خير أَو شر وذلك بما نختبركم به من الشدة والرخاء، والصحة والمرض وغيرها، مما تحبون أَو تكرهون، فننظر هل تصبرون عند البلاء، وتشكرون عند النعماء، أو تقنطون وتكفرون؟
﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾: للحساب والجزاء لا إلى غيرنا، لا استقلالا ولا اشتراكا، فنجازيكم حسبما يظهر منكم من عمل ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (١).