﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾: بالسوءِ والعيب. ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾: أَي يعيبون على رسول الله ﷺ ذِكْر آلهتهم بالسوءِ من ضعف وعجز، وحالهم أَنهم يكفرون بذكر الرحمن المنعم بجلائل النعم وسوابغ الرحمة على عباده، فهم لا يعترفون باسمه ولا يذكرونه، فأى الفريقين أحق بالاستنكار والتحقير؟ إِنهم بما اقترفوه من كفر وطغيان وسفه هم الأَحقاءُ بذلك، وبأَن يُذْكر صنيعهم بالتسفيه والتقبيح.
في هذه الآية صورة بلاغية، حيث جُعل الإنسان الذي خلقه الله من الطين - جُعلَ - كأَنه مخلوق من عَجَل، وذلك لفرطِ عجلته وقلة صبره، ولهذا تراه قد يبادر إِلى الكفر دون نظر إلى عواقبه، ويندفع في طلب أُمور دون النظر في مآلها، وقد يكون فيها ضرره وهلاكه، ومن ذلك ما صنعه النضر بن الحرث حين استعجل العذاب بما حكاه الله ﷾ عنه بقوله جل شأْنه: ﴿قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (١). وكان في ذلك يعبر عن قومه لأنه كان من زعمائهم، ولهذا أُسند القول إليهم وإن كان هو قائله، والعجلة وإِن كانت من طبع الإِنسان، لكن الله جعل لكل غريزة ضوابط من العقل والحكمة، توجهها نحو الخير ومكارم الأخلاق، وتهديها سواءَ السبيل.
﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾: خطاب للكفار المستعجلين لنزول العذاب والمعنى: سأُريكم آياتى في عذابى الذي أُنزله بكم في حينه، فلا تستعجلون بإنزاله قبل الأجل الذي ضربته له، فإن لكل شيءٍ أَجلا مضروبا. وقد حدث ذلك في غزوة بدر الكبرى، وما تلاها من الانتصارات الساحقة، التي أتمها الله بالقضاء على عبادة الأَوثان وعابديها بالجزيرة العربية.
وقيل: المعنى سأجعلكم تدركون آياتى التي تدل على نبوة محمد ﷺ من المعجزات الباهرة، وما له من العاقبة المحمودة، وسيتحقق وعدى لا محالة، فاتركوا العجلة، لعل الله يشرح صدوركم فتهتدوا.