بعد أن بينت الآيات السابقة غاية الهول لأولئك الذين يستعجلون إتيان الساعة، وما يصاحبها من عذاب، ونَعت عليهم جهلهم وإِعراضهم عن ذكر ربهم الذي يحفظهم من نوازل الليل وكوارث النهار - بعد ذلك - جاءت هذه الآية لتعلمهم أن الرسول ليس عليه إلا البلاغ.
والمعنى: ما أَنا إلا مبلِّغ عن الله ما أُنذركم به من مجئِ الساعة وعذابها بما أَوحاه الله إليّ في هذا القرآن المنزل عليَّ من لدن حكيم عليم، وليس من شأْنى أن آتيكم بما تطلبونه مما ينافى الحكمة التكوينية والتشريعية، وما على الرسول إلاَّ البلاغ.
﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾: من تتمة الكلام الذي أُمر ﵊ أَن يقوله لهم، توبيخًا وتقريعًا، أي أَنهم لطول إعراضهم عن سبيل الحق، صاروا كالصم الذين أفقدهم الصَّمَمُ حاسة السمع، فجعلهم بمعزل عن سماع صوت الداعى إِذا أَنذرهم وحذرهم، وتقييد نفى السماع بإنذارهم مع أن الصم لا يسمعون الكلام إنذارًا أو تبشيرًا، للإشارة إلى شدة الصم فيهم، لأن الإنذار عادة يكون بأصوات مرتفعة مكررة مقارنة لهيئات دالة عليه، فإذا لم يسمعوها يكون صَمَمُهُمْ في درجة لا غاية بعدها.
ويجوز أن يكون قوله سبحانه: ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ كلامًا مستأنفًا من جهته تعالى تسلية لنبيه عما يُنْتَظَر من إِعراضهم، كأنه قيل له: قل لهم أيها الرسول: إنما أُنذركم بالوحى، واعلم أَنهم دائبون على إِعراضهم، فهم بمعزل عن السماع حينما ينذرون، لطول إعراضهم، فلا يَكُنْ في صدرك حرج منه، فما عليك إلَّا البلاغ.
تبين هذه الآية فداحة العذاب الذي أُنذروه فأَعرضوا عن الاستماع إلى نذيره.
والمعنى: وبالله لئن أصاب هؤلاءِ المكذبين أدنى إِصابة من عذابه تعالى الذي يَسخَرون منه لَيَدْعَنَّ على أنفسهم بالويل والثبور والهلاك، وليعترفُنَّ بذنوبهم وأَنهم كانوا ظالمين لأنفسهم في الدنيا، فيعترفون حين لا ينفعهم الاعتراف، ويندمون حين لا يجديهم الند