وقد ضرب النبي ﷺ أروع مثل، في صلح الحديبية، في الوفاء بالعهد، على الرغم مما كان فيه من إجحاف بالمسلمين، فعوَّضه الله بسبب هذا الوفاءِ، وأثابه فتحًا مبينًا.
البأساءُ: الفقر والشدة. والضراءُ: المرض والشيخوخة ونحو ذلك، والبأس: الجهاد في سبيل الله، أُطلق عليه ذلك. لما فيه من البأس أي الشدة.
وقد أفاد هذا النص: أن الصبر في البأساء والضراء وحين الجهاد، من خلال البر. والصبر: صفة في النفس - خِلقية أو مكتسبة بالرياضة - تبعث على تحمل المشاق والمتاعب، رجاء الفرج من الله تعالى. وهو أساس الفضائل، إذ يعين على أداء الواجب للخالق والمخلوق، وعلى قمع الشهوات، واحتمال النكبات، ووأد الفتن، وعلى مشاق الجهاد.
ولهذا ورد في الآية منصوبًا على المدح، بتقدير فعل مناسب، نحو وأمدح الصابرين في البأساءِ … الخ.
هؤلاء الذين اجتمعت فيهم صفات البر كلها، كما ذكرتها الآية الكريمة، هم الذين صدقوا في الدين، واتباع الحق، وتحرى البر، وأُولئك هم الذين اتقوا الكفر، وسائر الرذائل، دون سواهم، ممن كانوا ينازعون في أمر القبلة، ومن على شاكلتهم.
والصدق هنا: هو الإخلاص. ويطلب في العبادات والمعاملات.
والتقوى: المراد بها الخوف من الله - تعالى - فإذا امتلأ بها قلب العبد، وأخلص لربه في السر والعلن، والغضب والرضا، والحب والبغض، واليسر والعسر.
ونلاحظ: أن هذه الآية الكريمة - على إيجازها - صورت جميع مكارم الأخلاق. فقد جمعت بين الإيمان والعمل، وبين حقوق الله وحقوق العباد، وبين جهاد النفوس وجهاد الأعداء، وبين صلاح الأفراد والجماعات.