﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾: الضمير فيه عائد على السعى، أَي: إِننا نثبت هذا العمل في صحيفة صاحبه؛ ليعلم أننا لا نضيع عليه نقيرا ولا قطميرا من طيبات أَعماله، كما قال سبحانه: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾.
بيَّنَ الله في الآيات السابقة أَن الناس تقطعوا أمر الدين فيما بينهم واختلفوا فيه، وأَنهم إِلى الله راجعون للحساب والجزاءِ، وأَن المؤمنين الصالحين سيجزون خير الجزاءِ. وجاءَت هذه الآية وما بعدها لتؤكد للكفار رِجوعهم إِلى الله وسوءَ حالهم يوم القيامة.
والمعنى: وممنوع على كل قرية قضينا أَزلا بإهلاك أَهلها لشدة طغيانهم وفسادهم، حرام عليهم، وممنوع تخلفهم عن الرجوع إلينا للحساب والجزاءِ، فلا بد من رجوعهم إِلينا مقهورين بقدرتنا، مسخرين ببعثنا إِياهم وإِعادة الحياة إلى أَجسادهم؛ ليلقوا عقابهم الأُخروى، بعد ما ذاقوا عذابهم الدنيوى.
ومن العلماءِ من اعتبر حرف "لا" صلة، وليس نافيا، وأَن المعنى: وممتنع على قرية أَهلكناها أن يرجعوا إِلى الدنيا بعد إهلاكهم، أَو يرجعوا إِلى التوبة.
والمعنى الأَول هو المناسب لما تقدم من قوله سبحانه: ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ ولما سيأْتى عقبه من الجزاء الأُخروى للمنكرين للبعث، وشخوص أَبصارهم وتحسرهم على كفرهم يوم الجزاءِ.
(حتى) هذه هي التي يبتدأُ بعدها الجمل، ولا تفارقها معنى الغاية؛ فهى غاية لمقدر يقتضيه المقام.
والمعنى: تستمر هذه القرى على ما هي عليه من الهلاك إِلى وقت فتح أَبواب الشر من يأْجوج ومأْجوج وخروجهم من كل مكان مرتفع من الجبال والهضاب، يسرعون إلى البغى والعدوان على خلق الله، والآية واضحة الدلالة على أن خروج يأْجوج ومأْجوج من علامات