في الله بجهالة، ولكنه يغطى جهالته بِثَنْيِ عطفه وخيلائه سَتْرًا لجهالته وادعاءً للزعامة والإِمامة على من دونه من الكافرين، لكي يتبعوه في سفهه وجداله بالباطل، وجاءَت هذه الآية لتصور صنفًا ثالثًا منهم، وهم أُولئك المذبذبون في عقائدهم، الذين لا يستقرون فيها على حال، بل يتقلبون فيها وفق المنافع والمضار.
أَخرج البخاري وابن أَبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أَنه قال في هذه الآية:"كان الرجل يقدم المدينة، فإذا ولدت امرأَته غلاما ونُتِجَتْ خيله قال هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأَته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء" وأَخرج ابن مردويه عن أَبي سعيد قال: أَسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده، فتشاءَم من الإِسلام، فأَتى النبي ﷺ فقال: أَقِلْنِى. فقال:"إِن الإِسلام لا يُقَال"، فقال: لم أُصب من دينى هذا خيرًا. ذهب بصرى ومالى ومات ولدى، فقال ﷺ:"يا يهودى: الإِسلام يَسْبِكُ الرجال كما تسبك النارُ خَبَثَ الحديد والذهب والفضة" فنزلت الآية.
وعن الحسن أَنها نزلت في المنافقين، ونحن نقول: سواءٌ كان سبب نزولها هذا أَو ذاك، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالآية فيمن يتَّجِرُ بالدين، ولا يؤمن عن يقين.
والمعنى الإِجمالى للآية: ومن الناس من يعبد الله على طرف من الدين لا تعمق له فيه، فإِن أَصابه خير دنيوى كالرخاءِ والصحة والولد، ثبت على هذا الطرف ثبات المستفيد لا ثبات المؤمن المتيقن، وإن أَصابته فتنة ومكروه في نفسه أَو أَهله أَو ماله، انقلب على وجهه الذي كان متجها إِليه، فارتد ورجع عن دينه، ومثله في ذلك كمثل الجندى الخائر العزيمة، جبان القلب، يكون في طرف الجيش، فإِن أَحسَّ بظفر وغنيمة بقى ليحرزها، وإِن أَحس بهزيمة لاذ بالفرار ملطخا بالعار.
وقد بين الله عاقبة كفره وارتداده فقال:
﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ فأَما خسارته في دنياه فعدم حصوله منها على ما يريد، وتعرضه للقتل إِن عُرِفَتْ رِدَّتُه، وأَما خسارته في الآخرة فالعذاب الأَليم والسعير الدائم، وذلك هو الخسران الواضح الذي لا يخفى على ذوى الأَل