﴿أَلَمْ تَرَ﴾: رؤْية القلب والعقل، فهى بمنزلة أَلَمْ تعلم، والمراد بالسجود هنا: الخضوع، وهو عام في الإِنسان والحيوان والنبات والجماد فكل ما في الكون خاضع لتدبير الله وأحكامه، والمراد بمن في السموات والأَرض: ما فيهما بطريق القرار فيهما أَو الجزئية منهما "فَمَنْ" مستعملة هنا للعاقل وغيره، كما تستعمل (ما) في مثل ذلك أَحيانًا.
وإِفراد الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب بالذكر مع دخولها في عموم من يسجد له تعالى في السموات والأَرض؛ لأَن الناس عبدوها مع الله مع أَنها مخلوقة له وخاضعة لأَحكامه.
فذكرت هنا لتنبيه الناس إِلى خطئهم في عبادتها، فالشمس عبدتها حِمْير، والقمر عبدته كنانة، ونجم الدبران عبدته تميم، والشَّعْرَى عبدتها لخم وقريش، والثريا عبدتها طئٌ، وعطارد عبدته أَسد، وعبد أَكثر العرب الأَصنام المنحوتة من الجبال، والعُزَّى عبدتها غطفان، وهى شجرة من السمر المعروف.
ومن الناس من عبد البقر في الهند وغيرها، وقد مرت عقيدة الصابئة في عبادة الكواكب، فلهذا نبَّه الله إِلى خطأ هؤُلاءِ العابدين وكفرهم بمن خلقها وسخَّرَهَا.
وقد انتقل الكلام في آخر الآية من سجود التسخير إِلى سجود الطاعة الاختيارية، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ فهو على تقدير: ويسجد له كثير من الناس سجود طاعة وعبادة، وهم صنف المؤمنين من الفرق الست التي مرت في الآية السابقة ﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾: وهم باقى الفرق الست لأَنهم لا يخصونه بالسجود - كما مرَّ بيان حالهم - ولا يصح أَن يقصد بسجود كثير من الناس سجود التسخير، فيعطف على من في السموات والأَرض، لأَن سجود التسخير عام في الناس جميعًا - مؤْمنهم وكافرهم - فلا يصح قصره على المؤْمنين دون سواهم، ومن العلماءِ من جعل ﴿كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ مبتدأ وقدَّر خبره (حق له الثواب) بدليل ما بعده، وهو قوله سبحانه:
﴿وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ﴾: أَي وكثير منهم وجب عليه العذاب بكفره وإِبائه السجود الذي كلفه الله بأَن يكون له خالصًا.