فضلا عن عبادتها التي لا يليق وقوعها من إِنسان عاقل. ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾: تعميم بعد تخصيص؛ فإِن عبادة الأَوثان هي رأْس الزور لما فيها من ادعائهم أَنها مستحقة للعبادة.
أَي: واجتنبوا في كل ما تنطقون به قول الزور في عبادة أَو غيرها، حيث كانوا يقولون: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ (١) والزور: هو الكذب لأَن فيه انحرافا وميلا عن الحق. وقد قرن النهي عن قول الزور بالنهي عن الشرك لما له من أَسوأ الأَثر في إِثارة العداوات، وغرس الأَحقاد وتفتيت الجماعات بل قد يتمادى الكاذب فيكذب على ربه وخالقه في غير استحياءٍ ورهبة، ومن قول الزور: الشهادة بغير الواقع، فهى زور ينكر حقًّا ويثبت باطلا.
وفي الصحيحين عن أَبي بكرة قال: قال رسول الله ﷺ: (أَلا أُنبئكم بأَكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإِشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس فقال: أَلا وقول الزور. أَلا وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت).
أَي: فاجتنبوا في إِسلامكم ما نهيتم عنه من عبادة الأَوثان، وقول الزور في حال كونكم مائلين عن كل دين زائغ وغير مشركين به - سبحانه - شيئًا من الأَشياءِ، فكل ما سواه - سبحانه - فهو مخلوق له، فلا يصح أن يعبد معه. ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ﴾ جملة مبتدأَة لإِظهار قبح الإِشراك وسوءِ عاقبته.
والمعنى: ومن يشرك بالله فهو بمنزلة من سقط من السماء، وعرّض نفسه لأَبشع صورة من صور الهلاك حيث يتمزق قطعا، ويتناثر أَشلاءً ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ﴾: وتتناول أَجزاءَه، فلا تبقى له أَثرا ﴿أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾: أَو تشبه حاله حالَ من عصفت به الريح في مكان بعيد، فكان فيه من الهالكين، وفي كلا التشبيهين تيئيس للكافر من النجاة؛ حيث لا يستطيع أَن يدفع عن نفسه الهلاك الذي ينزله الله به في الآخرة، حيث يصلى فيها ﴿نَارًا تَلَظَّى (١٤) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾.