وقال الفراءُ: المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد في خَيْرٍ وَبِرٍّ، وفسره هنا: بالعيد، وقال ابن عرفة في قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ أَي: مذهبا من طاعة الله تعالى، يقال: نَسَك نُسْكَ قومه، إذا سلك مذهبهم.
﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾: أَي ليذكروا اسم الله وحده دون غيره عند ذبحها تعظيمًا له وشكرًا على ما أَنعم عليهم من بهائم الأَنعام: الإِبل، والبقر، والغنم. وفي ذلك إِشارة إِلى أَن القرابين لا تكون إِلا منها ﴿فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾: أَي: فإِلهكم أَيها المخاطبون إِله واحد لأَن شريعتكم وشرائع الأَنبياءِ السابقين وإِن تنوعت ونسخ بعضها بعضًا، كلّها قائمة على التوحيد والدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ﴿فَلَهُ أَسْلِمُوا﴾: أَي فإِذا كان إِلهكم واحدًا منزها عن الشريك، فاستسلموا له وانقادوا لأَمره. وأَخلصوا له القول والعمل، واجعلوهما لوجهه ولا تشوبوهما بشرك ﴿وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾: أَي وبشر أَيها النبي أُولئك المخلصين المتواضعين - بشرهم - بالجنة والثواب العظيم، قال عمرو بن أَوس:(المخبتون الذين لا يظْلمون، وَإِذَا ظُلِمُوا لَمْ يَنْتَصِرُوا) أَي، لم ينتقموا: من الانتصار بمعنى الانتقام أَي: عفوا عن ظالميهم.
تُعَدِّد الآية أَوصاف المخبتين المبشرين بالجنة فتذكر أَن من أَجل صفاتهم أَنهم إِذا ذكر الله اضطربت قلوبهم خشية منه ورهبة، وذلك لقوة إِيمانهم وعمق يقينهم.
﴿وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ﴾: من كوارث الزمن بتحمل المتاعب وحبس الجزع بنفس راضية، وإِيمان بقضاءِ الله وقدره.
﴿وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ﴾: في أَوقاتها وعلى أَكمل صورها حسبما شرعها الله.
﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾: أَي ومن بعض ما آتيناهم من طيب الرزق ينفقون في أَوجه البر والخير التي تعود على دينهم ومجتمعهم بالنفع والصلاح.