للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد باليوم العقيم: يوم بدر، فقد كان كارثة حلَّتْ بصناديد قريش وشياطينهم، في أَول لقاءٍ لهم مع من أَخرجوهم من ديارهم، فقد قتل منهم سبعون، وأُسر سبعون، ونَاحَتْ نساءُ قريش على قتلاهم شهرا.

وفسره بعض العلماءِ بيوم القيامة، حيث يُجْزَى الكافرون بما كانوا يقترفون، وفسره آخرون بيوم موت كل واحد منهم، ولعل أَنسب الآراءِ بالآية التالية هو يوم القيامة، ففيه يتفرد الله بالملك مَظْهرا، كما هو متفرد به حقيقة.

٥٦ - {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}:

الملك يوم تأْتيهم الساعة أَو عذابها، لله وحده بلا شريك فيه حقيقة أَو صورة، فليس لأَحد فيه تصرف في أَمر من الأُمور، لا حقيقة ولا مجازًا، ولا صورة ولا واقعا، فكل شيءٍ فيه إِلى الله، حتى الشفاعة لا تكون لأَحد: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (١) فالله تعالى هو الذي يحكم فيه بين عباده، فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في دنياهم، مقرهم في جنات النعيم.

٥٧ - {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}:

والذين كفروا في دنياهم وكذبوا بآيات الله الكونية أَو التنزيلية، فأُولئك لهم عذاب دائم الإِهانة والإذلال {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ثم خص الله بعض الفريق الأَول بمزية، وهم المجاهدون في سبيل الله فقال:

٥٨ - {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}:

أَي: والذين هجروا أَوطانهم في سبيل الله تعالى، ثم قتلوا أَثناءَ جهادهم، أَو ماتوا حتف أُنوفهم (٢) في هجرتهم بنحو مرض أَو سكتة قلبية، ليرزقنهم الله الذي هجروا أَوطانهم


(١) سورة طه، من الآية: ١٠٩
(٢) الذي مات حتف أنفه هو الذي مات بغير أن يقتل في المعركة، كموته علي فراشه أو نحوه، والحتف: الموت، ويضيفه العرب للأنف إذا كان بنحو مرض، لاعتقادهم أن روحه تخرج في مثل هذه الحالة من أنفه، أما الذي يموت جريحا، فيقولون فيه: مات حتف جراحته, لظنهم أن روحه تخرج من جرا

<<  <  ج: ص:  >  >>