في سبيله - ليرزقنهم - في الجنة رزقًا فائق الحسن على ما يعطيه سواهم من المؤمنين غير المهاجرين في سبيله، وإِن الله الذي اتجهوا بهجرتهم إِليه لهو خير الرازقين، حيث يعطيهم ما يفوق الخيال، ولا يخطر لهم على بال، ويمنحهم بغير حساب، فهو الذي لا تفنى خزائنه، ولا تنصب موارد نعمه، ولا غاية لفضله وكرمه.
وهذه الآية نزلت في عثمان بن مظعون وأَبي سلمة بن عبد الأَسد، ماتا بالمدينة مهاجِرَيْن، ولم يُقتلا في سبيل الله، فقال بعض المؤمنين: من قتل في سبيل الله أَفضل ممن مات حتف أَنفه، فنزلت هذه الآية مسوِّية بينهما، لأَن كليهما عاهد الله على الموت في سبيله بهجرته لنصرة دينه.
وقد استدل بالآية فُضَالَةُ بن عُبَيْد - وكان أَميرًا بجزيرة رودس - استدل بها على المساواة بينهما في الأَجر، فقد أَخرج ابن أَبي حاتم بسنده، عن أَبي قبيل وربيعة ابن سيف المَعَافِرِيِّ قالا: (كنا بِرُودسَ ومعنا فضالة بن عبيد الأَنْصارى صاحب رسول الله ﷺ فمر بجنازتين إِحداهما قتيل والأُخرى متوفَّى، فمال الناس على القتيل، فقال فضالة: ما لي أَرى الناس مالُوا مع هذا وتركوا هذا؟ فقالوا: هذا قتيل في سبيل الله تعالى، فقال: والله ما أُبالى من أَي حضرتيهما بُعِثْتُ، اسمعوا كتاب الله ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا .. ﴾ الآية، وكان هذا القتيل قد أُصيب بقذيفة منجنيق كما جاءَ في رواية أُخرى له.
والذى نراه أَن الآية وإِن سوت بينهما في عموم الرزق الحسن والأَجر الجزيل، لكن ذلك لا يمنع من التفاضل بينهما، ويؤَيد هذا التفاضل أنه ﷺ سئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال:"مَنْ أُهْرِيقَ دمه وعُقِرَ جَوَادُهُ" ومنه يعلم أَن من كَان من المهاجرين ولم يجاهد، أو كان من المجاهدين ولكنه لم يكن بهذه الصفة فهو دون من اتصف بها، والله تعالى أَعلم، ثم بيَّن الله الرزق الحسن الذي أَعده لهم فقال:
أَي: أَنه تعالى وعد هؤُلاءِ المهاجرين بصنفيهم وعدًا مؤَكدًا لا خلف فيه، أَنه يدخلهم في الجنة منزلا فخما ومقامًا كريما يدخلونه وهم يرضونه ويسعدون به، حيث ي