ما هم فيه من الصفات الكريمة، وتذكيرًا لغيرهم بمبدئهم ومنتهاهم، ليعملوا لآخرتهم، ويتقوا سوء المصير.
والمراد من الإِنسان في الآية: الجنس، فكل أَفراد هذا الجنس - خلقهم الله من خلاصة مستخرجة من الطين، كما جاءَ في النص الكريم، وذلك باعتبار أَصلهم الأَول آدم ﵇ فهم مخلوقون من الطين تبعًا لخلقه منه، أَو باعتبار أن النطفة التي خلقوا منها خلاصة مستلة ومأخوذة من أَغذية ناشئة ونابتة من الطين.
ثم حولنا الإنسان وصيرناه نطفة ومنيًّا في قرار مكين بعد استلاله من طين، ولفظ (ثمَّ) هنا إِما: للترتيب في الخلق والتراخِي في الزمن، أَو للترتيب والبعد في المنزلة والرتبة، فإِن تحويله من خلاصة من طين، إِلى منى مشتمل على حيوانات منوية لا حصر لها في ماءِ الرجل وعلى بويضة وحيدة في ماءِ المرأة، فيه انتقال من مرتبة أَدنى إلى مرتبة أعلى ومنزلة أَبعد وأَسمى، وهذا المعنى هو المناسب لما ختمت به الآيات، وهو قوله تعالى: ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِين﴾ ومثل ذلك يقال في الآية التالية.
والمراد من القرار المكين: الرحم، فهو مقر متمكن في موضعه، وحرز حريز للنطفة وما يطرأ عليها من التطورات، فلا يخاف عليها فيه من حركة الأم وتنقلاتها وعملها حتى تضع حملها بسلام.
تقدم الكلام مستوفى على مثل ما جاء في هذه الآية في صدر سورة الحج: حيث بيَّنا هناك كيف تتحول النطفة إِلى علقة ثم إِلى مضغة، وأَطوار تكوين الجنين في أَشهر الحمل وأَوزانه، وأَن الحياة موجودة فيه منذ تكوين الخلية الأولى بعد تلقيح البويضة بالحيوان المنوى، وأَن المقصود من نفخ الروح فيه في نهاية طور المضغة هو إِعطاءُ الجنين دفعة قوية من الحياة تمكنه من الحركة في بطن أمِّه بعد أَن تم تصويرة المبدئي، ولهذا لا نرى داعيًا