ومعنى الآية: وأَنزلنا من السحاب ماءً بمقدار ما يكفى مخلوقاتنا في مصالحهم وحاجاتهم، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلا فلا يفى بالإنسان والحيوان والزروع والثمار، فأسكناه في الأرض وأَقررناه فيها، حيث أجريناه في الأنهار، وجعلنا الأرض تتشرب بعضه، ليستقر في جوفها، ويخزن تحت طبقاتها، لينتفع به الناس عند الحاجة إليه بحفر الآبار فيها ونبع العيون منها، وإنا على ذهاب بالماء الذي أنزلناه لقادرون، بأن نجعل الأرض تبتلعه فيغور فيها إِلى أماكن بعيدة لا تقدرون على استنباطه منها، كما قال سبحانه في آخر سورة الملك: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)﴾.
ويصح أن يكون المعنى: وإنا على عدم انتفاعكم بالماء لقادرون، بأن نحبس المطر عنكم أو نحول عذبه الفرات إلى ملح أجاج، أو نجفف أنهاركم وآباركم، ولكنا بلطفنا ورحمتنا نمدكم بالماء العذب من آن لآخر، ونحفظه لكم لتنتفعوا به عند حاجتكم.
١٩ - ﴿فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩)﴾: فأوجدنا لكم بسبب هذا الماء الذي أَسكناه في الأرض - أوجدنا لكم - بساتين ذات بهجة من نخيل وأَعناب، لكم في تلك البساتين فواكه كثيرة غير النخيل والأعناب، تتفكهون بها وتتنعمون بحلاوتها وجمالها ولذيذ مذاقها، ومن هذه البساتين تأْكلون وتتغذن بزروعها وثمارها التي تجمع بين التفكه والتغذى.
ويصح أن يكون المراد من الأكل من تلك الجنات التعيش والارتزاق منها، ببيع ما زاد على طعامهم وفاكهتهم، ومنه قولهم: فلان يأكل من حرفته، أي: يتعيش منها.
وأجاز بعض العلماء عود الضمير في قوله: ﴿لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ على النخيل والأعناب، فثمراتها جامعة بين الفاكهة والغذاء.