والمعنى: أن المشركين لا يزدادون بالوعظ التذكير إلاَّ إصرارًا على الكفر حتى إذا جاء أحدهم الموت تيقن ضلاله حين يرى الملائكة تقبض روحه بعنف وشدة وأدرك حينئذ سوءَ عاقبته، فيقول فيما بينه وبين الله تعالى: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ ثانية إلى الحياة الدنيا لكي أعمل صالحًا في دنياى التي تركتها وليس لى فيها عمل صالح ينفعنى في أُخراي، فيقال له: كلًا لا سبيل إلى الرجوع إليها بعد أن حانت منيتك، ثم يقول الله مؤكدًا تمنيه الرجوع إلى الدنيا، واستحالة رجوعه بقوله: ﴿إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ أي: إن قوله: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ كلمة هو قائلها لا محالة حين يعاين الموت وسوءَ المنقلب، لاستيلاء الحسرة والندم عليه، وأمامهم حاجز بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا حيث يبقون في قبورهم إلى يوم القيامة، حين يبعثونمنها للحساب والجزاء، والمقصود من حضور الموت حضور أماراته، ومنها حضور الملائكة لقبض روحه بشدة كما قال تعالى في وصف هذة الحالة: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ (١). وكلامهم مع الله تعالى بصيغة الجمع في قولهم: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ للتعظيم، وهو أسلوب المسترحمين كما قال الشاعر:
فقلت ارحمونى يا إله محمد … فإن لم أكن أَهلًا فأَنت له أهل
ولفظ (لعل) يستعمل للتعليل وللرجاء، وكلاهما تصح إرادته في قول الكافر المحتضر ﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ﴾ أي: لكي أعمل صالحًا، أو رجاء أن أعمل صالحًا، والمراد من البرزخ هنا: الحاجز، وهو إرادة الله أن لا عودة للحياة إلاَّ يوم القيامة، ثم بين الله أحوال القيامة فقال: