للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأَعرض عنه النبي ، فتنحى لشِقِّ وجهه (١) الذي أَعرض قِبَلَه (٢)، فقال: يا رسول الله إني زنيت، فأَعرض عنه، فجاءَ لِشِقِّ وجه النبي الذي أَعرض عنه، فلما شهد على نفسه أَربع شهادات، دعاه النبي فقال: أَبك جُنُونٌ؟ قال: لا يا رسول الله، فقال: أَحْصَنْتَ (٣)؟ قال: نعم يا رسول الله، قال: "اذهبوا فارجموه … " الحديث، وقد رويت قصة ماعز هذا في جميع كتب السنة وفيها تفصيلات عديدة، وجاءَ في بعضها أَنه قال في شأنه: "لقدْ تابَ توْبةً لوْ قُسِّمَتْ بَين أُمة لوَسعَتْهُمْ "، كما يستندُ إِجماع الصحابة على رجم المحصن إِلى قصة الغامدية، فقد جاءَ في صحيح مسلم، أَثناءَ حديث طويل عن عبد الله ابن بريدة عن أَبيه قال: "فجاءت الغامدية (٤) فقلت: يا رسول الله، إني قد زنيت فطهرنى، وإنه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لمَ ترُدُّنى؟ لعلك أَن ترُدنى كما رَدَدْت ماعزًا، فوالله إني لحُبْلَى، قال: "إما لا (٥)، فاذهبى فأَرضعيه حتى تفطميه، فلما فطمته أتَته بالصبى في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبى الله قد فطَمْته وقد أكل الطعام، فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين، ثم أَمر بها فحفر لها إلى صدرها وأَمر الناس برجمها" وقد جاءَ في الحديث أَن خالد بن الوليد كان ممن رجمها وأَنه سبها، فعلم النبي بمقالة خالد فيها فقال: "فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحبُ مَكْس (٦) لغُفر له، ثم أَمر بها فصُلِّى عليها وَدُفنتْ" وقد روَى هذه القصة جميع كتب السنة أَيضًا.

وقد حدث مثل ذلك في امرأَة من جهينة جاءَت النبي ، وهي حُبْلَى واعترفت بزناها، فتركها حتى وضعت، فأَمر برجمها ثم صلى عليها، فقال له عمر:


(١) أي: ذهب ماعز إلى الجهة التي اتجه الرسول إليها بعد أن أعرض عنه ليواجهه مرة أخرى باعترافه بالزنا.
(٢) أي: الذي أعرض جهته وناحيته.
(٣) أي: هل تزوجت.
(٤) نسبة إلى غامد وهي فصيلة من قبيلة الأزد، انظره في ج ٤ ص ٢٧٧ رقم ٢١ في أحاديث حد الزنى في شرح مسلم للإمام النووى.
(٥) أي: إن كنت لا تريدين الرجوع عن إقرارك، وقد صرحت بحقيقة أمرك.
(٦) المكس: ما يفرضه أعوان الظلمة على الناس في البيع والشراء، والحديث يدل على خطورة جريمة المكس عند الله تع