للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منافقين أو كافرين - فإن الحدود لا تكون جوابر ولا تحمى من النار إلا عصاة المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾.

وهذه الآية قاعدة عامة يراد بها صيانة الأَعراض عمومًا، وإن نزلت بشأْن قصة عائشة وصفوان التي افتراها رأْس المنافقين ابن سلول.

وقد جاءَ في حُرْمة ذلك قوله : "لا تؤذوا عباد الله ولا تُعَيِّروهم ولا تطلبوا عوراتهم، فإِنه من طلب عورة أَخيه المسلم، طلب الله عورته حتى يفضحه" أَخرجه الإِمام احمد بسنده عن ثوبان، وجاءَ في حديث لأَبى الدرداء أَنه قال: "أَيما رجلٍ شد عضد امرئٍ من الناس في خصومة لا علم له بها، فهو في سخط الله حتى ينزع عنها، وأَيُّما رجلٍ قال بشَفَاعَته دونَ حَدٍّ من حدود الله أن يُقَام، فقد عاند الله حقًّا وأَقدم على سُخْطِه، وعليه لعنة الله إِلى يوم القيامة، وأَيُّما رجل أشاع على مسلم كلمة وهو منها برئ يَرَى أَن يَشِينَه في الدنيا كان حقًّا على الله تعالى أن يرميه بها في النار، ثم تلا مصداقًا لذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا … ﴾ الآية وقد عرفت من تفسيرنا للآية أَن المراد من حُبِّ إشاعة الفاحشة، أَن يكون هذا الحب مقرونًا بإِذاعتها فعلا، حتى يكون بذلك قاذفًا فيستوجب حد القذف الذي جعله الله عذابه في الدنيا، أَما إِن أَحب إذاعتها ولم يشترك في نشرها فلا حد عليه، ولكن الله يعاقبه في الدنيا بمقتضى وعيده، كأَن يصيبه بنوعٍ من البلاءِ، أَو يبتليه بما تمناه لغيره - انتقامًا منه لفساد قلبه ورغبته في الفتنة، وكما يحرم التشنيع على المؤمنين والمؤمنات، يحرم قذف غيرهم وإِشاعة الفاحشة عنهم فإن لهم ما لنا وعليهم ما علينا (١).

٢٠ - ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾:

أَي: ولولا تفضل الله ورحمته عليكم أَيها الآفكون وأَنه تعالى دائم الرأْفة والرحمة لعباده، لمسكم فيما أَذعتموه من الإِفك على زوج رسول الله المحصنة البريئة - لمسكم في ذلك عذاب عظيم لا يقادر قدره، ولكنه تعالى أمهلكم بموجب رأْفته ورحمته ليميز الخبيث من الطيب، ثم أنزل براءتها مما نسب إِليها، فتاب من استيقظ ضميره، وعرف حق الله ورسوله، فتاب الله عليه، وأقام الحد على من ثبت عليه التشهير بذلك فَطَهر منهم من كان من المؤمنين، وبَقِىَ في رجسه وسوءِ عاقبته من كان من المنافقين.


(١) ولكن لا حد على قاذفه من المسلمين كما قاله الجمهور بل يعزر، انظر تفسير الآية الرابعة من هذه السورة في القرطبى - ص ١٧٤ - المسألة السادسة.