والهمزة في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ للتقرير بالرؤية، والمراد بالرؤية هنا: العلم والمعرفة، والخطاب إما أن يكون للنبي ﷺ وإِما أَن يكون لكل عاقل، فإن كان للنبي ﷺ فهو يشير إلى أنه تعالى قد أفاض عليه من مراتب النور أعلاها وأجلاها، حتى عرف من أسرار الملك والملكوت أدقها وأخفاها.
وإن كان لكل عاقل: فهو يشير إلى وضوح هدى الله في السموات والأرض ومن فيهن لكل من يتأمل فيها، فلولا هداه وقوانينه الكونية الدقيقة في كل ذرة من هذا الكون لاختل نظامه، فهو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ولولا إِبداعه المحكم لهذا الكون، وما أَودعه فيه من أَسباب الهدى إلى ما خلق لأجله، لما رأَينا هذا الكمال الناطق بنزاهته تعالى عن الشريك والنظير، وسوء التدبير ﴿فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾.
فالمراد من التسبيح في الآية: التنزيه عن كل ما لا يليق بالله تعالى من نقص أو خلل تنزيها معنويًا تفهمه العقول السليمة، فإن كل موجود في السموات والأرض، من أَجزائهما وما استقر فيهما، أَو كان سابحا وطائرا بينهما، يدل على صانع مبدع واجب الوجود، متصف بكل صفات الكمال، منزه عن كل ما لا يليق بشأْنه وعظمته، وإطلاق لفظ:(مَنْ) على العقلاء وغيرهم، على سبيل التغليب، كما هو معهود في عرف اللغة.
وقد نبه الله - سبحانه - على قوة الدلالة وغاية وضوحها بالتعبير عنها بالتسبيح الذي يختص به العقلاء، وهو أَقوى مراتب التنزيه وأَظهرها، تنزيلا للسان الحال منزلة لسان المقال.
وتخصيص التسبيح - أَي: التنزيه - بالذكر مع دلالة ما في السمواتِ والأَرض على اتصافه - تعالى - بنعوت الكمال كلها، لأَن هذه الآية مسوقة لتقبيح حال الكفرة. في إِخلالهم بالتنزيه، بجعلهم الجمادات شريكة له - تعالى - في الأُلوهية، ونسبتهم الولد إليه - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - ولهذا جعل الله أَعمالهم ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾، أَو ﴿كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاه﴾.