للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد ختم الله الآية بقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ لتقرير ما تقدم في الآية.

والمعنى الإِجمالى للآية: أَلم تعلم - أَيها العاقل - علمًا يشبه الرؤية في اليقين، أَن الله تعالى ينزهه عن الشريك والنظير، وعن كل ما لا يليق بجنابه في ذاته وصفاته وأَفعاله - ينزهه - كل شيءٍ في السموات والأَرض، وبخاصة الطير وهي باسطة أَجنحتها وأَذيالها في السماءِ؛ لتستطيع أَن تتجه بها إِلى المشارق والمغارب، وهي محلقة في جو السماء ما يمسكهن إلا الله تعالى فإنها جميعًا بما أُنشئت وأُبدعت عليه من دقة الصنع، وأَدائها لوظائفها التي خلقت لها، في نظام رتيب بلا فتور ولا قصور، تنطق بلسان الحال، أن من أَبدعها منزه عن الشريك والنظير، وعن كل نقص في ذاته وفي صفاته وفي أَفعاله، وكل منها في مجموعه وفي أَجزائه قد استجاب لتسخير الله إِياه استجابة تشبه استجابة العقلاء لما كلفهم الله به من الصلاة والتسببح، والله عليم بأَدائها لوظائفها وفق تدبيره الحكيم لها، لا يغفل عنها طرفة عين، فهي لذلك لا يعتريها نقص ولا اختلال، فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.

وأَجاز بعض المفسرين حمل التسبيح والصلاة على حقيقته، كما تقدم بيانه، قال سفيان: للطير صلاة ليس فيها ركوع ولا سجود، وعمم بعضهم التسبيح بمعناه الحقيقى في جميع الكائنات من جماد ونبات وحيوان، أَخذا من ظاهر قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ (١) وليس هذا ببعيد على بديع السموات والأَرض، ولقد سجل بعض علماء الغرب بآلة شديدة الحساسية - سجل - أَنين الشجرة إِذا قطع منها غصن، أَو نقلت شجرة مجاورة لها، وهذا يدل على أَن في الكون أَسرارا عجيبة لم يصل العقل البشرى إِلى كشفها بعد.

٤٢ - ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾:

أَي ولله ملك السموات والأَرض خلقًا وملكا وتصرفًا، فلا يصح أَن يعبد سواه، وإِليه وحده المرجع يوم القيامة فيحكم فيه بما يشاءُ، ولا معقب لحكمه ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ (٢).


(١) سورة الإسراء، الآية: ٤٤
(٢) سورة النجم، الآية: ٣١