وقد بَيَّن الله - سبحانه - في هذا الجزء من الآية أنه لا حرج على المؤمنين جميعًا، ومنهم أصحاب العاهات المذكورة، أن يأكلوا من بيوتهم، والمقصود منها: البيوت التي فيها أولادهم وزوجاتهم فهي كبيوتهم، فلا حرج عليهم في أن يأكلوا من طعام مملوك لهم؛ لأن ولد الرجل بعضه، وحكمه حكم نفسه، ولذا لم يذكر الله تعالى الأولاد في الآية، قال ﷺ:"أنت ومالك لأبيك" ولأن الزوجين صارا كنفس واحدة، فصار بيت المرأة كبيت الزوج، فكأنه تعالى يقول: ولا على أنفسكم حرج في أن تأكلوا من مساكنكم التي فيها أهلوكم وأولادكم.
كما بَيَّن - سبحانه - أنه لا حرج على المؤمنين في أن يأكلوا من بيوت آبائهم أو بيوت أمهاتم، أو بيوت إخوتهم الذكور، أو بيوت أخواتهم الإناث، أو أعمامهم أو عماتهم أو أخوالهم أو خالاتهم، سواءٌ أذنوا لهم في الأكل أو لم يأذنوا؛ لأن في القرابة التي بينهم إذنا عرفيا لهم بالأكل، ويقول ابن العربى: أباح الله الأكل من جهة النسب من غير استئذان، إِذا كان الطعام مبذولا، فإذا كان الطعام مُحْرزًا لم يكن لهم أخذه، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار، ولا إلى ما ليس بمأكول وإن كان غير محرز إلا بإذن.
وقال بعض العلماء: لا يباح الأكل من بيوت هؤلاء الأقارب إِلا بإذن منهم؛ لأنه لا يعلم رضاهم إلا به، أما القرابة فليست من أَسباب الرضا دائِما، فمن الأقارب من لديه سماحة، ومنهم أشحة، ولا يعلم ما في القلوب إلا الله، فلا يحل الأكل من بيوتهم بغير إذنهم ومعرفة رضاهم، وهذا الكلام قريب مما قاله ابن العربى، فإن الطعام إذا كان مبذولا لآكليه، فتلك أَمارة على رضا أَصحابه.
والمقصود الأول من الآية: هو غرس غريزة الكرم والبر بالأقارب في نفوس المؤمنين، ما داموا قادرين على ذلك، وإعداد النفوس المسلمة إلى هذا اللون من التعاون والتقارب والأخوة في الإسلام، عملا بقوله - تعالي -: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، وبقوله