يرغبوا في الاجتماع عليه، واختلف فيمن نزلت، فقيل: نزلت في بنى ليث بن عمرو، وكانوا يتحرجون أَن يأْكل الرجل وحده، فربما قعد منتظرا نهاره إلى الليل، فإِن لم يجد من يؤاكله أَكل - ضرورة - وحده، ونَفْيُ الجناح عن أَكلهم دون ضيف لبيان أَن لا إِثم فيه، ولا يُذَمُّ صاحبه شرعا، كما ذمَّت به الجاهلية، فإنهم غير مقصرين إِذا لم يحضر الضيف.
وقيل: نزلت في قوم تحرجوا عن الاجتماع على الطعام، لاختلاف في الأَكل، وزيادة بعضهم على بعض، فأُذن لهم فيما تحرجوا منه.
(والأدب الثالث في الآية) تضمنه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ أي: فإذا دخلتم بيوتًا من هذه البيوت التي أُذن لكم في الأكل منها، فابدأوا بالسلام على أهلها الذين هم منكم قرابة ودينا، تحية من عند الله تعالى، ثابتة بأمره، مشروعة من عنده، مباركة طيبة؛ لأن السلام دعوة مؤمن لمؤمن، يرجى بها من الله السلامة وزيادة الخير وطيب الرزق، ثم ختم الله الآية بقوله:
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾: أي مثل ذلك البيان الواضح يبين الله لكم سائر آياته لكي تتعقلوها وتفهموها، وتحرصوا على العمل بها.
المعنى الإجمالي للآية: ليس على الأعمى إثم ولا ضيق بتركه ما يقدر عليه البصير، ولا على الأعرج إثم ولا ضيق بتركه ما يقدر عليه الماشى، ولا على المريض إثم ولا ضيق بتركه ما يقدر عليه الصحيح، فلا يكلف أصحاب هذه الأعذار بما يكلف به سواهم ممن لا عذر لهم، فهؤلاء جميعًا لا يكلفون بالجهاد بالسيف ونحوه، والمرضى منهم لا يكلفون بالصيام ونحوه مما ليس في وسعهم، حتى يزول عذرهم، قال - تعالى -: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (١) كما أَنه ليس على هؤلاء ضيق في أن يأكلوا مع الأصحاء، وأن يأْكل الأصحاءُ معهم، حذرا من استقذارهم إياهم، وتأذيهم بوجودهم أو بتصرفهم أثناء تناول