للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فبعثوا إليه؛ أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فجاءهم فقالوا: يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر منك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالًا جمعنا لك من أموالنا، وإن كنت تطلب الشرف فنحن نُسوِّدُك، وإن كنت تريد الملك ملكناك، فقال رسول الله : "ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله تعالى بعثنى إليكم رسولًا، وأَنزل عليّ كتابًا، وأَمرنى أن أكون لكم بشيرا ونذيرا، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أَصبر لأمر الله تعالى، حتى يحكم الله ﷿ بينى وبينكم، قالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل شَيئًا مما عرضنا عليك فَسَلْ لنفسك، سل ربك أَن يبعث معك ملكًا يصدقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانًا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغى، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك، ومنزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما تزعم، فقال لهم رسول الله : ما أنا بفاعل، ما أَنا بالذى يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله تعالى بعثنى بشيرا ونذيرا، فأنزل الله تعالى في قولهم ذلك ﴿وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ .... ﴾ الآيات (١).

والمعنى: أَنهم بعد ما افتروا على القرآن ما افتروه قالوا: أي سبب لهذا الذي يزعم أَنه رسول جعله يأكل الطعام كما نأكل، ويمشى في الأسواق ساعيًا على رزقه كما نسعى، فلو كان رسولًا من عند ربه لخالفنا في أسلوب معاشنا، فَهَلاَّ مَيزه الله علينا فأنْزَلَ معه ملكًا يكون معه نذيرا لنا، ليجعلنا مطمئنين إلى إرساله إلينا.

٨ - ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾:

أي: فإن لم ينزل الله عليه ملكًا يظاهره في الرسالة، فهلا يلقى إليه ربه من السماء مالًا يكتنزه، ليستظهر به ويرتفع احتياجه إلى اكتساب قوته من السعى في الأسواق مثلنا، فإن لم يوجد هذا ولا ذاك فلا أقل من أن يكون له بستان يتعيش بريعه كمياسير الناس،


(١) نقله الآلوسي.