روى أبو داود والترمذي وغيرهما، عن أسلم بن أبي عمرا، قال: "حَمَلَ رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومَعَنا أبو أَيوب الأنصاري، فقال: ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو ايوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صَحِبْنَا رسول الله ﷺ وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نَجِيًّا، فَقُلْنا قد أكرمنا الله بصحبة نبيه ﷺ ونصره، حتى فشا الإسلام، وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقم فيهم فنزل فينا:
فكانت التهلكة - الإقامة في الأهل والمال، وترك الجهاد. وخصوص السبب لا يمنع من أن تكنو الآية قانونًا عامًا، في القتال وغيره.
﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ الإحسان في كل صوره واجب على المسلم في القتل وفي الذبح، وفي إغاثة الملهوف، وفي مباشرة القتال، وغير ذلك. ولكلٍّ من الحالات إحسان يناسبها، فإذا قتل فليحسن القتل، بألا يعذب فيه، وإذا ذبح فكذلك، بأن يحد الشفرة، ويريح الذبيحة، ويسرع في الذبح.
وفي إغاثة الملهوف: لا يتركه يتضرع ويتذلل، بل يغيثه سريعًا في الخفاء، بحيث لا تدري شماله ما تفعل يمينه.
والإحسان في الحرب: يتناول معاملة الأسرى، وعدم المثلة وتجنب قتل النساء والشيوخ والأطفال.
والإحسان في العبادة: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك.
بهذا وأمثاله - مما يدخل في نطاق التقوى، يوصي الله المسلمين. ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾ (١).