للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شعيب وكان أَصحاب الرِّس قومًا من عبدة الأَصنام، وأَصحاب آبار ومواش، فدعاهم إِلى التوحيد، فتمادوا في طغيانهم، وفي إِيذائه، فبينما هم حول الرِّس - كما روى عن أَبي عبيدة - انهارت بهم وبديارهم، فهلكوا، وقيل: هم قوم قتلوا نبيهم ورسُّوه في بئرهم أَي: دسّوه فيها، وقيل غير ذلك.

﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾: أَي ودمرنا كذلك أَهل قرون جاءُوا بين قوم نوح وعاد، وثمود، وأَصحاب الرِّس، وكان عددهم كثيرًا لا يعلم مقداره إِلاَّ العليم الخبير، أُرسل إِليهم رسُل فكذبوهم فأُهلكوا.

والقرون: جمع قرن ومقداره سبعون سنة، وقيل: ثمانون، وقيل: مائة، ويطلق مجازا على القوم المتعاصرين، وقال الزجاج: الذي عندي - والله أعلم - أن القرن أَهل كل مدة كان فيها نبيّ، أَو طبقة من أَهل العلم قلَّت السنون أَو كثُرت.

٢٩ - ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾:

أَي وكلَّ قوم من المكذبين ذكَّرنا وحذرنا، حيث بيَّنَّا لهم القصص العجيبة الزاجرة لما هم عليه من الكفر والمعاصي، ووضحنا لهم الأَدلة الصحيحة الهادية، ولكنهم كذبوا وأَعرضوا فاستحقوا الدمار، والهلاك، كما قال تعالى: ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾: أَي وكل قوم منهم أَهلكناه هلاكًا ماحقًا؛ لتماديه فيما هو عليه من إِفك وطغيان.

٤٠ - ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ الآية.

استئناف مسوق لبيان مشاهدة المشركين من أَهل مكة لآثار الأُمم المُهْلكه وعدم اتعاظهم بها وصُدِّر بالقسم لتأْكيده وتقرير مضمونه، والمراد بالقرية الجنس الشامل لجميع قرى قوم لوط، يعني أَن قريشًا مروا بها كثيرًا في أَسفارهم بمتاجرهم إلى الشام، وكانت هذه القرى قد أَمطرها الله بالحجارة من السماءِ، فأُهلكت كما قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ (١). وكانت قراهم خمسًا، وروى عن ابن عباس أَن واحدة منها نجت لكون أَهلها لا يعملون العمل الخبيث. والله أَعلم بصحة هذا الخبر.


(١) سورة الشعراء، الآية: ١٧٣.