للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ" والتي تتحدث عن بعض آيات الله الكونية التي تتعاظم فيها آلاؤه، وتتراءى آثار نعمه على خلقه، ودلائل قدرته في تسخير هذه المخلوقات لتذليل السبل في حياة الإِنسان، وتيسير حاجاته مصداقا لقوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ (١) وقوله جل شأْنه: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ (٢). ومعنى ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾: أَجرى الماءَين العذب والملح، مع استقلال كل واحد منهما بخصائصه وأَوصافه، هذا عذب فرات مستساغ الطعم وقامع للعطش، ومنبت للزرع، وهذا ملح أُجاج شديد الملوحة كريه الطعم تجرى فيه السفن ويأْكل منه الناس لحما طريا ويستخرجون حلية يلبسونها وجعل بين الماءين ﴿بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ أَي: وجعل الله تعالى بقدرته بين الملح والعذب حاجزا ومانعا لا سبيل إلى رفعه ودفعه، حتى لا يطغى أَحدهما على الآخر أَو يغلب عليه، فلا يعذب الملح بالعذب لقلة ما يتسرب منه إلى الماءِ الملح، ولا يملح الماء العذب بمجاورته للماء الملح في مصبه، لأَن الله تعالى بقدرته العظيمة، جعل البحار الملحة في أَغوار منخفضة عن سطح الأَرض وعن مجارى المياه العذبة، بحيث لا يمتد في مجارى الأَنهار إِلا جزء قليل مجاور لها في مستواها، وهو مصبها، فبانخفاض البحار وعلو مستوى الأَنهار، حفظ الله طبيعة كليهما، حتى ينتفع بالملح والعذب فيما خلقهما الله لأَجله.

ويجوز أَن يراد من الحجر المحجور: اليابس الذي جعله الله بين الماءَين، حال به بينهما، لينتفع بكليهما في موضعه من الأرض.

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا﴾:

أَي: ومن جملة قدرته - تعالى - أَن خلق من نطفة الرجل والمرأَة إنسانا بعد أَن طوره في مراحله المختلفة، وأَداره في أَدوار التكوين فجعله قسمين: ذكرًا يُنْتَسَبُ إِليه فيقال: فلان بن فلان، وفلانة بنت فلان، وأَنثى يُصَاهَرُ أَهلها بزواجها فيتحقق بذلك الترابط، وتتم الصلات الطاهرة بين بني الإِنسان حتى يصيروا شعوبا وقبائل.


(١) سورة البقرة، من الآية: ٢٩
(٢) سورة الجاثية، من الآية: ١٣