للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فإِنه - سبحانه - جدير بالتوكل عليه، والاستغناء به، فهو الحي الباقي الذي لا يدركه فناء، ولا ينقطع منه رجاء.

﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا﴾:

أَي: نزهه عن صفات النقصان، مثنيًا عليه بصفات الكفال التي تليق بذاته طلبًا لرحمته، وطمعًا في استزادة نعمه بمزيد الاعتراف بها والشكر عليها، وكفى بالله، وبعلمه التام خبيرا بذنوب عباده مطَّلِعًا على ما خفى منها وما ظهر لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إِلا أَحصاها، ليجازى عليها جزاءً وفاقا.

٥٩ - ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا … ﴾ الآية.

تضمنت هذه الآية وصفه - تعالى - بصفته الفعلية، بعد وصفه بصفاته الذاتية، إبرازًا لكمال قدرته على استجابة من توكل عليه ولجأَ إليه، فإِن من يقدر على إِنشاء هذه الأَجرام العظام على هذا النمط الرائق، والنسق الفائق في تدبير متين، وترتيب رصين أَحق أَنْ يتوكل عليه، ويفوض الأَمر إليه.

والمراد بالعرش في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾: الملك والسلطان، وبالاستواء عليه: تدبيره لما خلقه دون شريك.

والمعنى: ثم أَحكم سلطانه وتدبيره لما خلقه من السموات والأَرض وما بينهما، دون شريك ولا معين وبهذا أَول الخَلَفُ الآية الكريمة، لأَنه تعالى لا يحل بمكان ولأَنه موجود قبل أَن يخلق العرش، وعن الصادق والحسن وأَبي حنيفة ومالك : أَن الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإِيمان به واجب، والجحود له كفر، والسؤال عنه بدعة (١).

والمراد بالأَيام في قوله تعالى: ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ غير الأَيام المعروفة لنا، فإِن الليل والنهار لم يكونا قبل خلق السموات والأَرض، فهي من أَيام الله، يعلم الله قدرها، ولا مجال للحديث عنها، فقد يكون اليوم أَكثر من خمسين ألف سنة مما يعدون.


(١) تقدم الكلام مستوفى على معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ في سورة الأعراف.