والمعنى: تنزه الله وتعالى واستحق كل تعظيم وتمجيد، وكل إِذعان وطاعة لما أَحكم من صنعه إِذ جعل في السماء منازل اثنى عشر لنزول الشمس والكواكب، وجعلها على أَربعة أَقسام: ثلاثة ربيعية، وثلاثة صيفية، وثلاثة خريفية، وثلاثة شتوية، وبهذا يختلف الزمان حرارة وبرودة، ويختلف الليل والنهار طولا وقصرا ولا يخفى أَثر ذلك في إِنبات النبات، وإِنضاج الثمار والزروع وملاءَمة أَحوال الناس في أَعمالهم ومهنهم، كما جعل في السماء شمسًا تضيء الأَرض كما يضيء السراج المكان الذي يسرج فيه، وجعل فيها قمرًا ينسخ ظلام الليل، ويخفف من عتمته، فيهتدى بذلك السارى، وتقل به الوحشة؛ قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾.
والضمير في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ يعود على البروج لقربها، ويجوز أن يكون عائدا على السماء؛ لأَنها الأَصل.
أَي: وهو الله الذي توافرت نعمه، وتعاظم فضله، فجعل تعاقب الليل والنهار وفاءً بمتطلبات الحياة واحتياجات خلقه في إِنبات النبات، وإِنضاج الثمار والزروع وتقلبهم في أَعمالم وأَسفارهم وإِخلادهم إلى الراحة، وفي هذا غاية العبرة لمن أَراد أَن يعتبر بتأمُّله في محكم آياته، وجلائل تدبيره، فيعلم أَن لا بد لهذا الكون من إله قادر وصانع حكيم، كما أَن فيه أَوسع مجال لمن أَراد أَن يتعاظم حمده لربه، ويتزايد شكره لخالقه على توافر نعمه، وتزايد آلائه، وقال ابن كثير: جعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادته، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، وقد جاءَ في الحديث الصحيح:"إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيءُ الليل".