بين الله - سبحانه - القوم الظالمين الذين أمر نبيه موسى أن يأتيهم - بينهم - في هذه الآية أنهم فرعون وقومه؛ لأنهم تناهوا في الظلم وأوغلوا في الطغيان حتى صاروا علمًا عليه وعنوانًا له، وقد دعا الله إلى العجب من ظلمهم وعدم تقواهم فقال: ﴿أَلَا يَتَّقُونَ﴾ الله ﷿ فلا يصدر منهم معصية ولا استعلاء، وهذا يتحقق بهجرهم كل المعاصي والمظالم، وكأن سائلًا سأل: هذا ما نادى الله به موسى، فماذا قال موسى جوابًا لهذا النداء؟ فكان الجواب هو قوله تعالى حكاية عنه:
أي: قال موسى ﵇ وهو في مقام الضراعة إلى بارئه رب العالمين: يا رب إني أخاف أن يكذبني هؤلاء حين آتيهم، ولا يؤمنوا برسالتى، ولا يصدقوا بنبوتي، إني يا رب يضيق صدرى ولا ينطلق لساني لما ينالنى من العى والحَصَر وحبس اللسان بسبب ما يلحقنى من الحزن.
وهذا الذي صنعه موسى ﵇ ليس تشبثًا بالعلل، ولا للاستعفاء من امتثال أمر ربه ﷿ وتلقيه بالسمع والطاعة، بل هو موقف ضراعة وابتهال، وتمهيد عذر بين يدي رجاوته أن يعينه على الامتثال وإقامة الدعوة على أتم وجه، ولهذا التمس من ربه أن يبعث جبريل أمين الوحى إلى هارون ويجعله نبيًا ووزيرا له من أهله يشركه في أمره ليشد أزره ويقوى عضده.
ويجأر موسى إلى ربه فيبدى له أن هناك أمرًا آخر يخشاه ويخافه إذ يقول: إن هؤلاء القوم - فرعون وملأه - يرون أن لهم عليّ تبعة ذنب، وجريرة جرم، ذاك أنني قتلت واحدًا منهم، حين وكزته غير قاصد قتله لما استغاث بي أحد شيعتي، فهم يحملونني وزر ذنب لم أقصده، فأخاف إذا ذهبت إليهم وحدى ليس معى عضد ولا سند أن يفتكوا بي بسبب تحميلى دم القبطى، وأريد أن أؤدى الرسالة، فادفع عني يا رب أذاهم المرتقب وكيدهم المتوقع، باختيار أخي هارون نبيًّا لك ووزيرًا مساعدًا لي، وأعنا على تبليغ دعوتك.