لما أسلفناه من تربية ورعاية، أو: وأنت من الذين كفروا بدينى، أو بألوهيتى بعد عودتك من الجهة التي فررت إليها، فعظم بذلك ذنبك عندنا.
والواقع أن ﵇ لم يكن على دينهم قبل فراره، ولكن سكوته عنهم من باب التقية، فكفره بدين فرعون قديم قبل الهجرة، والمستحدث إنما هو الإعلان عنه بعد العودة، والرأى الأول هو الظاهر، وهو ما قاله ابن زيد.
قال موسى ﵇ في مقام الرد على ما أثاره فرعون -: فعلت تلك الفعلة ووكزت القبطى تلك الوكزة التي قضت عليه، والحال أنى من الجاهلين بما تفضي إليه تلك الضربة إذ ما كنت أعتقد أنها تقضى على القبطي وتقتله، وكان هدفي هو الانتصار لمظلوم وتأديب باغ ومعتد، ولو كان الأمر كما تظن وأنى قاتل مفسد - كما تدعى - لاستجبت لمن استصرخ بي وكررت تلك الفعلة وانتصرت له، ولكنى بعدت ونأيت عنه وقلت له: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾.
ومع أن فعلتى - التي عددتها عظيمة وأثيمة - لا تقتضي المؤاخذة ولا تستدعي التقريع والتوبيخ والرمى بالكفر والجحود، فإنكم تآمرتم على قتلي ودبرتم اغتيالى وإزهاق روحى، ففررت منكم بعد أن أخبرنى ناصح أمين بما انتويتم وما دبرتموه بليل، هربت منكم إلى ربي.
خرج موسى وهرب فرارًا بنفسه وخوفا من حيف يلم به، أو ظلم ينتظره، أو قتل يُعَدُّ له، وأسلم نفسه لربه فملأ قلبه حكمة وعقله رشدًا، وجعله من خاصة خلقه فاصطفاه الله له كليما، ولعباده رسولًا، وكان ﵇ من أولى العزم من الرسل - عليهم صلوات الله وسلامه -.