قال موسى على سبيل التوضيح والتصريح لما اشتملت عليه إجابته السابقة، وليضع فرعون بكل جبروته وصلفه في موضعه الصحيح، وينزله من مرتبة الألوهية التي ادعاها لنفسه إلى مرتبته الحقيقية، مرتبة العبودية التي يتساوى فيها مع الناس جميعًا: الله ربكم يا فرعون ومن معك، ورب آبائكم الأقدمين، فلا سبيل لك إلى ادعاء الربوبية لأحد من خلق الله: فما أنتم إلا عباد له سبحانه كسائر عباده.
اتسم هذا الأُسلوب بالسخرية والاستهزاء إمعانًا في صد القوم عن موسى ﵇ فقد أضاف رسالة موسى إلى المخاطبين فقال: ﴿إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ﴾.
وترفَّع أن يكون رسولًا إليه، كما ترفع وتكبر أن يذكر موسى ﵇ باسمه فقال:(الذي) ثم كان منه أن رماه بالجنون، ليكون أبلغ في صد الناس وصرفهم عن اتباعه، فكأنه يقول لهم: كيف يليق بكم - وأنتم العقلاء - أن تصدقوا معتوها، وتتبعوا مجنونا؛ إن فرعون يريد من وراء هذا إثارة غضبهم على موسى واحتقارهم له.
لم يكترث موسى بما وجهه له فرعون من نقائص، بل جابهه بالحق إذ قال رب العالمين هو رب المشرق والمغرب وما بينهما، فهو رب السماء بما حوت من الثوابت والسيارات الذي دبرها تدبيرا محكما، وقدرها تقديرا متقنا في نظام مستمر دائم على وجه عجيب دقيق، وهذا لا يكون إلا من مدبر حكيم قدير عليم، فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقًا فليعكس الأمر وليجعل المشرق مغربا والمغرب مشرقا.
﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾: أي إن كنتم تعقلون شيئًا، أو إن كنتم من أهل العقل علمتم أن الأمر كما قلت وبينت لكم وأرشدتكم، فآمنتم بي رسولًا لله رب العالمين.