السحرة حين رأوا ضخامة سحرهم وأثره في عيون ووجوه مشاهديهم - قالوا حينئذ -: نقسم بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون لموسى، ولا سبيل لغلبته إيانا.
قال ابن عطية - بعد أن ذكر أن ما قاله السحرة قَسَمٌ بفرعون - قال ابن عطية: والأحرى أن يكون على جهة التعظيم والتبرك باسمه إذ كانوا يعبدونه .. الخ.
ومما يؤسف له أن هذه العدوى تسربت إلى المسلمين، فتركوا الحلف بالله إلى الحلف بآبائهم وأوليائهم وبغير ذلك مما لا يجرز الحلف به، فلا حلف إلا بالله أو باسم من أسمائه أو بصفة من صفاته.
فألقى موسى عصاه الخشبية الوحيدة، عقب ثقتهم بسحرهم، وقسمهم بعزة فرعون إنهم لَهُمُ الغالبون، ففوجئوا بالأمر الخطير الذي لم يتوقعوه، وهو أنها انقلبت ثعبانا كبيرا سريع الحركة كأنها جان، وجعلت تبتلع حبالهم وعصيهم التي أفكوها، وزعموا أنها أفاعي وثعابين حقيقية، وما هي إلا حبال وعصى سحروا بها العيون، فتخيلتها كما يزعمون.
أي: فَخَرَّ السحرة ساجدين لعظمة الله، كأنهم من فرط تأثرهم بالحق واستجابتهم له، لم يتمالكوا أنفسهم، فكأن حالهم كحال من أخذوا فطرحوا على وجوههم، أو أنه تعالى ألقاهم بما وفقهم إليه من التأثر ببرهان الحق، فقد عرفوا أن مثله لا يأتي بطريق السحر، وعلى هذا فالإلقاء مجاز عن التوفيق لسبب السجود وهو معرفة الحق.
قال الآلوسي: وذكر بعض الأجلة أنهم إنما عرفوا حقيقة ذلك، بعد أن أخذ موسى ﵇ العصا فعادت كما كانت ولم يروا لحبالهم وعصيهم أثرا، وقالوا: لو كان سحرا لبقيت حبالنا وعصينا، ولعلها على هذا صارت أجزاء هبائية، وتفرفت أو عدمت لانقطاع تعلق الإرادة بوجودها. انتهي.